في تطور يهز الواقع الاقتصادي اليمني، تشهد أسواق عدن تقلبات حادة في أسعار صرف الدولار والريال السعودي، حيث يمكن أن تفقد 1000 ريال يمني 15% من قيمتها في 24 ساعة فقط. الحقيقة المذهلة أن مرتب شهر كامل من 10 سنوات لا يساوي اليوم إلا مرتب يوم واحد، في مشهد اقتصادي يصفه الخبراء بـ"الجنون المالي". كل ساعة تأخير في متابعة الأسعار قد تكلف الأسرة اليمنية مئات الريالات من قوتها الشرائية، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل تستطيع الأسر اليمنية الصمود أمام هذا النزيف الاقتصادي؟
تحولت أسواق الصرافة في عدن إلى ساحات توتر يومية، حيث تتراقص الأرقام على الشاشات كالأمواج العاتية في بحر هائج. محمد الصراف، الذي يدير محلاً صغيراً في شارع الزراعة، يروي بصوت مرتجف: "الوضع خارج عن السيطرة تماماً، العملاء يدخلون بسعر ويخرجون بسعر مختلف". أم أحمد، ربة بيت في حي المنصورة، تقف أمام المحل وهي تمسك بحقيبة صغيرة تحتوي على مدخرات العائلة: "جئت لأصرف راتب زوجي، ولكن القيمة انخفضت منذ الصباح بما يكفي لشراء كيس أرز". أصوات النقاش الحاد تملأ المكان، بينما تتصاعد رائحة القلق والتوتر في الهواء الخانق.
هذا المشهد المأساوي ليس وليد اليوم، بل تتويج لانهيار اقتصادي بدأ منذ 2015 مع اشتعال الصراع في اليمن. الريال اليمني فقد أكثر من 80% من قيمته منذ ذلك التاريخ، في انهيار يشبه ما حدث للليرة التركية في 2018، لكن الوضع اليمني أسوأ بكثير. انقسام البنك المركزي ونقص النقد الأجنبي ومعدل تضخم يتجاوز 200% في بعض السلع الأساسية، كلها عوامل تجعل التنبؤ بأسعار الغد أشبه بالمستحيل. د. عبدالله الاقتصادي، المحلل المالي المتخصص في الاقتصاد اليمني، يحذر: "نحن أمام عاصفة اقتصادية لم تبلغ ذروتها بعد، والأسابيع القادمة ستحمل المزيد من المفاجآت المؤلمة".
في بيوت عدن، تعيد الأسر حساباتها اليومية بطريقة مؤلمة. علي التاجر يتابع الأسعار كل ساعة لحماية تجارته الصغيرة من الإفلاس، بينما تضطر العائلات لتغيير عادات الاستهلاك جذرياً - من شراء اللحوم أسبوعياً إلى شهرياً، ومن الخضار الطازجة إلى المعلبات رخيصة الثمن. خبراء الاقتصاد يتوقعون مزيداً من الفقر وموجات هجرة اقتصادية إلى دول الخليج، بينما تبرز فرص محدودة للاستثمار في العملات الصعبة للقادرين عليها. التحدي الأكبر يكمن في صعوبة التخطيط المالي طويل المدى، حيث يصبح الحفاظ على القوة الشرائية كمن يملأ كيساً مثقوباً بالماء.
أسعار صرف اليوم في عدن ليست مجرد أرقام على الشاشات، بل مرآة صادقة للوضع الاقتصادي المتدهور الذي يواجه أكثر من 20 مليون يمني يحتاجون مساعدات إنسانية. المسار الاقتصادي الصعب يتطلب حلولاً جذرية وتدخلاً دولياً عاجلاً، بينما ينصح الخبراء المواطنين بضرورة إيجاد مصادر دخل بديلة والتخطيط المالي الحذر. هل سيشهد غداً أسعاراً أكثر جنوناً؟ الجواب في يد المجهول الاقتصادي اليمني، والوقت ينفد أمام الأسر اليمنية التي تحارب من أجل البقاء.
