الرئيسية أخبار تحديثات الدول بالنسبة لوضع اليمنيين التحليل الصريح الذي لم ينشر من قبل: كيف فشلت كل الأطراف اليمنية في منع الكارثة؟

التحليل الصريح الذي لم ينشر من قبل: كيف فشلت كل الأطراف اليمنية في منع الكارثة؟

25 نوفمبر 2025
10:10 م
حجم الخط:
التحليل الصريح الذي لم ينشر من قبل: كيف فشلت كل الأطراف اليمنية في منع الكارثة؟

في لحظة نادرة من الصراحة السياسية، أماط قيادي بارز في حزب التجمع اليمني للإصلاح اللثام عن تفاصيل صادمة حول كيف تراكمت الأخطاء السياسية والحسابات الخاطئة التي قادت اليمن من الوحدة المأمولة إلى الكارثة الحالية. زيد الشامي، الرئيس السابق للكتلة البرلمانية للإصلاح، لم يكتف بتقديم مراجعة نقدية لدور حزبه، بل كشف عن فشل منهجي لجميع الأطراف اليمنية في قراءة التهديدات الناشئة وإدارة التحالفات السياسية، في شهادة تاريخية تسلط الضوء على الجذور العميقة للأزمة اليمنية الراهنة.

ملف القضية: اليمن من الوحدة إلى الكارثة

تبدأ خريطة الفشل منذ تحقيق الوحدة اليمنية عام 1990، حيث بدت الآمال عريضة في بناء دولة ديمقراطية حديثة. لكن بذور الكارثة كانت تُزرع في تلك اللحظة ذاتها، عبر علاقة جدلية متأرجحة بين حزب الإصلاح والرئيس السابق علي عبدالله صالح، امتدت لأكثر من عقدين وشكلت نموذجاً للفشل في البناء المؤسسي.

يكشف الشامي عن التناقضات الجوهرية في هذه العلاقة: "بدأت العلاقة الجدلية منذ تولّي صالح الرئاسة، لكنها تعمّقت خلال حرب المناطق الوسطى في الثمانينيات." هنا تظهر المعضلة الأساسية: حزب سياسي يدعم الدولة عسكرياً عندما تواجه تحديات، لكنه يجد نفسه في مواجهة مستمرة مع قيادتها سياسياً.

النقطة الفاصلة الأولى جاءت مع انتخابات 1997، حيث يتهم الشامي صالح بنقض اتفاق ينص على وجود دوائر تنافسية وأخرى غير تنافسية: "أعلن صالح ليلة الانتخابات أن جميع الدوائر تنافسية، مما أدى إلى انفراده بالحكم." هذا النقض المبكر للتفاهمات السياسية أسس لثقافة عدم الثقة التي ستطبع المشهد اليمني لاحقاً.

الشاهد الأول: فشل النخبة السياسية في إدارة التحالفات

أحد أبرز إنجازات الحياة السياسية اليمنية بعد الوحدة كان تأسيس "اللقاء المشترك" عام 2003، الذي يصفه الشامي بأنه "مثّل نموذجاً للتعايش كان له صدى عالمي." لكن حتى هذا الإنجاز النسبي حمل بذور فشله في طياته، من خلال التعامل "بسذاجة" مع التهديدات الناشئة.

التجربة الانتخابية لفيصل بن شملان عام 2006 تكشف عن تناقض مؤلم في النظام السياسي اليمني. يروي الشامي أن أحزاب اللقاء المشترك "دخلت الانتخابات دون ملصقات ولا أموال، فعقدت اجتماعاً لتجميع التكاليف التي لم تتجاوز أربعة ملايين ونصف ريال." في المقابل، واجهوا منافساً "لم يكن شريفاً، وحاول تلفيق تهمة الإرهاب لبن شملان."

هذا التباين الشاسع في الموارد والأساليب لم يكن مجرد عائق انتخابي، بل كان مؤشراً على خلل عميق في فهم قواعد اللعبة السياسية. النخبة السياسية المعارضة اختارت أن تتعامل مع السياسة بمنطق المبادئ المجردة، بينما خصومها استخدموا كل الأدوات المتاحة للفوز.

الشاهد الثاني: السذاجة في التعامل مع التهديدات الناشئة

الفصل الأكثر إدانة في شهادة الشامي يتعلق بكيفية تعامل النخبة السياسية مع صعود الحوثيين. يقر بصراحة مؤلمة: "اللقاء المشترك تعامل بسذاجة، واجتهد خطأً حين حاول إقناع الحوثيين بالعمل السياسي وتأسيس حزب، بينما كانوا يماطلون ويرفضون التحول إلى حزب."

التضليل الاستراتيجي الذي مارسه الحوثيون يمثل دراسة حالة في الخداع السياسي المنظم. يكشف الشامي: "قدّم الحوثيون أنفسهم للعالم على أنهم سيقضون على الإرهاب وحزب الإصلاح وجامعة الإيمان وبيت الأحمر، ولأن الإرهاب هاجس أمريكا والغرب، وافقوا، ودخل الحوثيون بأسلحتهم إلى مؤتمر الحوار بمباركة دولية."

هنا تظهر مأساة السياسة اليمنية: مجتمع دولي ينساق وراء شعارات مكافحة الإرهاب دون فهم عميق للديناميكيات المحلية، ونخبة سياسية يمنية تفشل في إيصال رسالة واضحة حول طبيعة التهديد الحوثي الحقيقي. النتيجة كانت شرعنة دولية لجماعة مسلحة تحت غطاء محاربة الإرهاب.

الشاهد الثالث: انهيار الدولة من الداخل

اللحظة الحاسمة جاءت في 2014، عندما وصل الحوثيون إلى أبواب صنعاء. يصف الشامي كيف "أبدى حزب الإصلاح استعداده للمشاركة في الدفاع عن صنعاء، لكن الرئيس هادي لم يكن يريد الحرب، وقرر وزير دفاعه اتخاذ موقف محايد واخترع 'نظرية جديدة في تاريخ الجيوش'، إذ سلّم المواقع بنفسه على الهواء في عمران وغيرها."

هذا المشهد السريالي - جيش دولة يسلم مواقعه "على الهواء" - يلخص مأساة الدولة اليمنية في لحظة الحقيقة. الأدهى أن هذا لم يكن عجزاً، بل اختياراً واعياً من قيادة سياسية غارقة في حسابات خاطئة. يكشف الشامي أن "هادي ظنّ أنه سيبقى رئيساً بعد أن يقضي على الجميع، وأن الحوثيين سيعودون إلى منازلهم، مستندًا إلى دعم الأمم المتحدة ومجلس الأمن ودول العالم."

هنا نكتشف العمق الحقيقي للكارثة: لم تكن مجرد عجز أو ضعف، بل سوء تقدير كارثي لطبيعة التحدي ولحدود الدعم الدولي. قيادة سياسية اعتقدت أن الشرعية الدولية ستحل محل القوة الفعلية والتأييد الشعبي.

استنتاجات المحقق: الدروس المستفادة والطريق للأمام

تحليل مسار الكارثة اليمنية من خلال شهادة الشامي يكشف عن أنماط متكررة من الفشل عبر جميع الأطراف. كل طرف، بطريقته الخاصة، ساهم في تراكم الأخطاء التي قادت للانهيار: الإصلاح بتنازلاته المفرطة وسذاجته السياسية، صالح بنقضه للاتفاقات وتلاعبه بالقواعد، الحوثيون بخداعهم المنهجي، هادي بحساباته الخاطئة، والمجتمع الدولي بانسياقه وراء شعارات مضللة.

لكن الدرس الأهم في شهادة الشامي ليس تشخيص الأخطاء، بل الحل المقترح: "ليس أمام اليمنيين سوى نبذ الخصومة والالتفاف حول الدولة مهما كانت ضعيفة ومنهارة، لأنها تستطيع إعادة بناء نفسها من جديد، أما إذا ضاعت فالمستقبل يبشر بالأسوأ."

هذه الدعوة تحمل في طياتها إقراراً صريحاً بحجم الكارثة، لكنها تقدم أيضاً خيطاً رفيعاً من الأمل. في عالم تتنامى فيه النزعات الانفصالية وتتفكك فيه الدول، تصبح فكرة الالتفاف حول الدولة - حتى لو كانت ضعيفة - أشبه بالتشبث بقشة الإنقاذ الأخيرة.

التحليل الصريح الذي قدمه الشامي ليس مجرد مراجعة تاريخية، بل دعوة عاجلة للنخب اليمنية لتعلم دروس الماضي قبل أن يصبح الثمن أكبر مما يمكن تحمله. في النهاية، الخيار أمام اليمنيين واضح ومؤلم: إما الوحدة حول دولة ضعيفة قابلة للإصلاح، أو التفكك النهائي الذي لا عودة منه.

شهادة زيد الشامي تمثل لحظة نادرة من المصارحة في المشهد السياسي اليمني، حيث يعترف قيادي بارز بأخطاء حزبه وأخطاء الآخرين على السواء. هذه الصراحة، رغم مرارتها، قد تكون البداية الحقيقية لأي عملية مصالحة وطنية مستقبلية. فالشفاء لا يبدأ إلا بالتشخيص الدقيق للداء، والإقرار الصريح بحجم الخراب الذي تسببت فيه السياسات الخاطئة لجميع الأطراف دون استثناء.

آخر الأخبار

عاجل: بنكان في عدن يبدآن صرف مرتبات متراكمة لآلاف الموظفين - العمالقة وثلاث محافظات تستلم أموالها!

عاجل: بنكان في عدن يبدآن صرف مرتبات متراكمة لآلاف الموظفين - العمالقة وثلاث محافظات تستلم أموالها!

فريق التحرير منذ أسبوع
عاجل: أهالي عدن بدون كهرباء 14 ساعة يومياً... والسبب صادم يتعلق بتهريب النفط!

عاجل: أهالي عدن بدون كهرباء 14 ساعة يومياً... والسبب صادم يتعلق بتهريب النفط!

فريق التحرير منذ أسبوع