الرئيسية أخبار جرائم القتل والاختطاف كيف تحول البنك المركزي اليمني الأزمة الاقتصادية إلى نموذج للشفافية العربية؟

كيف تحول البنك المركزي اليمني الأزمة الاقتصادية إلى نموذج للشفافية العربية؟

25 نوفمبر 2025
10:05 م
حجم الخط:
كيف تحول البنك المركزي اليمني الأزمة الاقتصادية إلى نموذج للشفافية العربية؟

في لحظة تبدو فيها الشائعات أسرع انتشارًا من الحقائق، خرج البنك المركزي اليمني بتوضيحات حاسمة تكشف كيف تمكنت مؤسسة مالية في دولة تواجه تحديات اقتصادية استثنائية من تطبيق معايير الشفافية الدولية. ما بدأ كرد على اتهامات متعلقة برواتب المحافظ، تحول إلى قصة نجاح مؤسسي نادرة تستحق الدراسة والتحليل العميق.

قد تكون صورة ‏نص‏

من الشائعة إلى الشفافية: كيف واجه البنك المركزي اليمني الاتهامات

عندما انتشرت أنباء تزعم حصول محافظ البنك المركزي اليمني أحمد غالب سعيد على 40 ألف دولار شهرياً، كان الرد المؤسسي سريعاً ومفصلاً بطريقة تعكس نضجاً في إدارة الأزمات. البيان الرسمي لم يكتف بالنفي البسيط، بل قدم سياقاً تاريخياً وتفصيلات دقيقة حول التغييرات التي طرأت على نظام الأجور منذ عام 2018.

النقطة المحورية في الرد تركزت على التوقيت التاريخي لتوقف الرواتب المرتفعة، والذي يصادف عام 2018 - وهو العام الذي شهد تدهوراً حاداً في الأوضاع الاقتصادية اليمنية. هذا التوقيت ليس مصادفة، بل يعكس قراراً استراتيجياً لمواءمة أجور القيادات المصرفية مع الواقع الاقتصادي للبلاد، وهو نهج نادر في المنطقة العربية حيث غالباً ما تحافظ النخب على امتيازاتها رغم الأزمات.

ما يلفت النظر في البيان هو الشفافية النسبية في الكشف عن حجم الراتب الحالي، حيث أكد أنه "لا يصل إلى 20% مما كان يتقاضاه المحافظ في عمله السابق بالقطاع المصرفي التجاري". هذه المقارنة تضع الأمور في نصابها وتظهر التضحية الشخصية للقيادة، وهو عنصر نفسي مهم لاستعادة الثقة العامة.

التعامل مع مصادر الشائعات جاء بأسلوب مهني، حيث لم يدخل البنك في جدال مباشر، بل اكتفى بالإشارة إلى "أشخاص ومواقع معروفة بجهات تمويلها وتوجهها"، مما يضع المسؤولية على المتلقي لتقييم مصداقية المصادر دون الدخول في معارك إعلامية قد تضر بسمعة المؤسسة.

صندوق الأدوات: آليات الرقابة والحوكمة التي طبقها البنك

النجاح الحقيقي للبنك المركزي اليمني لا يكمن في نفي الاتهامات، بل في البنية التحتية للشفافية التي وضعها لمنع حدوث مثل هذه القضايا من الأساس. الآليات المطبقة تشكل نموذجاً متقدماً يستحق التحليل التفصيلي.

نظام الحوكمة المؤسسية الذي يطبقه البنك يتضمن فصلاً واضحاً للسلطات وتوزيعاً للمسؤوليات يضمن عدم تركز القرارات المالية في يد فرد واحد. هذا النظام، وإن كان معياراً دولياً، إلا أن تطبيقه في ظروف اليمن الحالية يعكس التزاماً استثنائياً بالمعايير المهنية رغم التحديات السياسية والأمنية.

العنصر الأكثر إثارة للإعجاب هو اعتماد البنك على أكبر أربع شركات تدقيق دولية لمراجعة عملياته سنوياً. هذا المستوى من التدقيق الخارجي نادر حتى في بنوك مركزية لدول مستقرة، ويضع اليمن في مصاف الدول التي تطبق أعلى معايير الشفافية المصرفية العالمية.

لجنة المراجعة المستقلة تمثل طبقة حماية إضافية، حيث تعمل بشكل منفصل عن الإدارة التنفيذية وتقدم تقاريرها مباشرة لمجلس الإدارة. هذا الهيكل يضمن وجود "عين ثالثة" تراقب كل العمليات المالية بشكل مستمر، مما يجعل أي انحراف محتمل قابلاً للاكتشاف السريع.

مقارنة هذه الأدوات مع أفضل الممارسات العالمية تظهر أن البنك المركزي اليمني لا يكتفي بالحد الأدنى المطلوب، بل يتجاوزه. معايير بازل الثالثة للحوكمة المصرفية، التي تعتبر المرجع العالمي، تجد تطبيقاً عملياً في اليمن بطريقة تتفوق على العديد من البنوك في المنطقة.

النموذج اليمني: دروس قابلة للتطبيق في المنطقة العربية

التجربة اليمنية في إدارة الشفافية المؤسسية وسط الأزمة تقدم دروساً عملية للمنطقة العربية، خاصة في كيفية الحفاظ على المعايير المهنية رغم الظروف الاستثنائية. الدرس الأول والأهم هو أن الشفافية الاستباقية أكثر فعالية من الدفاع التفاعلي عند مواجهة الشائعات.

النهج الذي اتبعه البنك في تقليص الرواتب بما يتناسب مع الواقع الاقتصادي للبلاد يضع معياراً جديداً للقيادة المسؤولة في المنطقة. في حين نرى في العديد من الدول العربية محافظة المسؤولين على امتيازاتهم رغم تدهور الأوضاع الاقتصادية، يقدم النموذج اليمني مثالاً على كيفية ربط أجور القيادات بالأداء الاقتصادي العام.

الشفافية الاستباقية التي يطبقها البنك من خلال نشر المعلومات قبل أن تُطلب تمثل نقلة نوعية في الثقافة المؤسسية العربية. بدلاً من إخفاء المعلومات والدفاع عنها عند الضرورة، يختار البنك الكشف الطوعي كاستراتيجية لبناء الثقة.

الخطوات العملية لتطبيق نموذج مشابه تبدأ بوضع آليات رقابة مستقلة، ثم تدريب الكوادر على ثقافة الشفافية، وأخيراً تطوير قنوات اتصال مباشرة مع الجمهور. هذه الخطوات، رغم بساطتها النظرية، تتطلب إرادة سياسية قوية وقناعة حقيقية بأهمية الشفافية كأداة للحكم الرشيد.

آفاق المستقبل: تعزيز الثقة المؤسسية عبر الشفافية

النجاح في إدارة أزمة الشائعات الحالية يفتح آفاقاً واعدة لتعزيز الثقة المؤسسية في اليمن، لكنه يتطلب استراتيجية طويلة المدى تتجاوز الردود التكتيكية على الأزمات. الخطوة التالية تتمثل في تحويل هذه الممارسات الجيدة إلى نظام مؤسسي دائم يضمن استمراريتها حتى مع تغير القيادات.

تطوير منصة رقمية لنشر التقارير المالية والإدارية بشكل دوري يمكن أن يكون الخطوة المنطقية التالية. هذه المنصة لن تكتفي بنشر البيانات الأساسية، بل ستتضمن شروحات مبسطة تساعد الجمهور على فهم السياسات المصرفية وتأثيرها على حياتهم اليومية، مما يحول الشفافية من مجرد التزام قانوني إلى أداة للتثقيف المالي.

دور المجتمع الدولي في دعم هذه النماذج الإيجابية لا يقل أهمية عن الجهود المحلية. البنك الدولي وصندوق النقد الدولي يمكنهما تقديم الدعم التقني والتمويل للمؤسسات التي تطبق معايير الشفافية العالية، مما يخلق نظام حوافز يشجع المؤسسات الأخرى على اتباع النهج نفسه.

رسالة الأمل التي يحملها هذا النموذج تتجاوز الحدود اليمنية لتصل إلى كل مؤسسة في المنطقة العربية تسعى للنجاح رغم التحديات. إمكانية النجاح المؤسسي ليست مرتبطة بوفرة الموارد أو استقرار الظروف السياسية، بل بالإرادة الحقيقية لتطبيق معايير الحكم الرشيد والالتزام بها حتى في أصعب الظروف. البنك المركزي اليمني، بما حققه من شفافية وسط عاصفة الأزمة، يصبح منارة أمل لكل من يؤمن بأن التغيير الإيجابي ممكن حتى في أحلك الظروف.

في عالم تتسارع فيه وتيرة انتشار المعلومات المضللة، يقدم النموذج اليمني درساً مهماً: الشفافية الاستباقية والآليات المؤسسية القوية ليست مجرد أدوات دفاعية، بل استراتيجية شاملة لبناء الثقة وتحقيق الاستقرار المؤسسي. النجاح في تحويل أزمة الشائعات إلى قصة نجاح في الحوكمة يؤكد أن المستقبل الأفضل ممكن، شريطة الإيمان بالشفافية كأساس للتميز المؤسسي.

آخر الأخبار

عاجل: بنكان في عدن يبدآن صرف مرتبات متراكمة لآلاف الموظفين - العمالقة وثلاث محافظات تستلم أموالها!

عاجل: بنكان في عدن يبدآن صرف مرتبات متراكمة لآلاف الموظفين - العمالقة وثلاث محافظات تستلم أموالها!

فريق التحرير منذ أسبوع
عاجل: أهالي عدن بدون كهرباء 14 ساعة يومياً... والسبب صادم يتعلق بتهريب النفط!

عاجل: أهالي عدن بدون كهرباء 14 ساعة يومياً... والسبب صادم يتعلق بتهريب النفط!

فريق التحرير منذ أسبوع