في تطور صادم يهز الواقع الاقتصادي اليمني، سجلت أسعار الذهب فجوة تاريخية تزيد عن 300% بين عدن وصنعاء، حيث وصل سعر جرام الذهب عيار 21 إلى 197 ألف ريال في عدن مقابل 64 ألف ريال فقط في صنعاء. هذا يعني أن المواطن يمكنه شراء ثلاثة جرامات في صنعاء بثمن جرام واحد في عدن، في مشهد يعكس عمق الأزمة الاقتصادية التي تمزق البلاد. الخبراء يحذرون: الأسعار ترتفع كل ساعة والفجوة تتسع يومياً، فهل نشهد ولادة دولتين اقتصادياً قبل أن تكونا سياسياً؟
في شوارع عدن الملتهبة اقتصادياً، يقف سالم التاجر أمام محل الصاغة وهو يتصبب عرقاً بارداً، يقول بصوت مرتجف: "كنت أدخر لشراء طقم ذهب لابنتي للزواج، لكن سعر الجرام الواحد اليوم يساوي راتبي لثلاثة أشهر كاملة". أما في صنعاء، فيشهد تجار الذهب إقبالاً منقطع النظير، حيث يؤكد عبدالله الصائغ: "الناس تأتي من كل مكان، حتى من المحافظات المجاورة، للاستفادة من أسعارنا المنخفضة نسبياً". وتشير الإحصائيات إلى أن جنيه الذهب في عدن يكلف 1.5 مليون ريال - مبلغ يعادل راتب موظف حكومي لسنوات عديدة.
جذور هذه الكارثة الاقتصادية تعود إلى عام 2014 عندما انقسم البنك المركزي اليمني، مما أدى إلى ظهور سياستين نقديتين متضادتين في بلد واحد. في عدن، انهار الريال اليمني أمام الدولار ليصل إلى مستويات قياسية، بينما حافظت صنعاء على استقرار نسبي لعملتها المحلية. د. أحمد العولقي، الخبير الاقتصادي، يشبه الوضع بـ"ألمانيا الشرقية والغربية قبل الوحدة، لكن الفارق هنا أن الانقسام يحدث في بلد واحد تمزقه الحرب". هذا الانقسام خلق واقعاً اقتصادياً مؤلماً، حيث يدفع ارتفاع الأسعار العالمية للذهب إلى 4,093 دولار للأوقية المناطق الأكثر تضرراً لمستويات أسعار خيالية.
في الأحياء الشعبية بعدن، تجلس أم محمد المتقاعدة أمام محل صاغة وهي تحمل قطعاً ذهبية قديمة، تقول بصوت مختنق بالدموع: "أبيع مجوهراتي التي ادخرتها طوال العمر لأعالج ابني المريض، لكن التجار يستغلون حاجتنا ويشترون بأسعار مخفضة". هذا المشهد المتكرر في شوارع عدن يعكس تأثير أزمة الذهب على الحياة اليومية، حيث تؤجل عائلات كاملة مشاريع الزواج والمناسبات المهمة. الخبراء يتوقعون تفاقم الوضع مع احتمالية وصول الفجوة السعرية إلى 500% في الأشهر القادمة، مما قد يدفع لظهور تجارة سوداء للذهب بين المناطق، رغم المخاطر الأمنية الكبيرة.
هذه الفجوة السعرية التاريخية تكشف عمق الانقسام الاقتصادي في اليمن وتنذر بمستقبل مظلم للعملة الوطنية. بينما يبحث المواطنون عن ملاذات آمنة لمدخراتهم، يحذر الخبراء من الاستثمار الأعمى في الذهب دون دراسة المخاطر. السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل ستنجح اليمن في توحيد اقتصادها قبل أن تفقد عملتها الوطنية قيمتها نهائياً؟ وكم من الوقت تبقى أمام الأسر اليمنية قبل أن تفقد آخر ما تملك من مدخرات ذهبية؟