الرئيسية أخبار جرائم القتل والاختطاف من آخر في اليمن يريد إنقاذ كنوز باسعيد من النسيان؟ حملة عاجلة لجمع أعمال عبقري 'سُلّم الطائرة'

من آخر في اليمن يريد إنقاذ كنوز باسعيد من النسيان؟ حملة عاجلة لجمع أعمال عبقري 'سُلّم الطائرة'

18 نوفمبر 2025
10:05 م
حجم الخط:
من آخر في اليمن يريد إنقاذ كنوز باسعيد من النسيان؟ حملة عاجلة لجمع أعمال عبقري 'سُلّم الطائرة'

في مطارات السعودية، كانت تصدح أغنية "سُلّم الطائرة" عبر مكبرات الصوت كلما صعد المسافرون إلى طائراتهم. لحظة وداع، أو تذكير بأن الرحلة الحقيقية تجري في داخل الإنسان نفسه. لكن خلف هذه اللحظة المؤثرة، تكمن مأساة أكبر: شاعر يمني عبقري كتب من أعظم كنوز الشعر العربي، ثم ترك معظم إرثه مبعثراً في صحف ومجلات منسية، بينما لم يُنشر له سوى ديوان واحد هزيل بـ150 نسخة فقط. اليوم، في الذكرى الثانية عشرة لرحيل يسلم بن علي باسعيد، نواجه سؤالاً عاجلاً: من آخر في اليمن يريد إنقاذ ما تبقى من هذا الكنز قبل أن يختفي إلى الأبد؟

المشكلة: كنوز مبعثرة تنتظر الإنقاذ

يكشف واقع إرث يسلم باسعيد عن تناقض صارخ يجسد أزمة التوثيق الثقافي في اليمن. فبينما وصلت شهرة أغنية "سُلّم الطائرة" إلى آفاق عالمية، وتردد صداها في مطارات المملكة العربية السعودية كنشيد رسمي للمغادرين، تكمن حقيقة مؤلمة: معظم أعمال الشاعر لا تزال مبعثرة في أرشيف الصحف والمجلات، تنتظر من يجمعها قبل أن تضيع في دهاليز النسيان. الديوان الوحيد المنشور، "دموع المهاجر"، لم يتجاوز 150 نسخة، وزعها الشاعر هدايا لأصدقائه قبل وفاته بعام واحد.

هذا التناقض يكشف عن نمط متكرر في التعامل مع التراث الثقافي اليمني: الاحتفاء العاطفي بالإنجاز دون بذل الجهد الحقيقي للحفاظ عليه. فقد غنى أكثر من أربعين فناناً من كبار النجوم العرب كلمات باسعيد، بدءاً من طلال مداح وأبو بكر سالم، وصولاً إلى عتاب ورباب ومحمد عطروش، لكن هذا النجاح الجماهيري لم يُترجم إلى اهتمام مؤسسي بتوثيق وحفظ باقي أعماله. ووفق شهادة ابنه عبد المنعم، فإن عشرات القصائد لا تزال مدفونة في أرشيف المطبوعات القديمة، تنتظر من يستخرجها.

إن استمرار هذا الإهمال يعني فقدان جزء كبير من الذاكرة الشعرية اليمنية، خاصة وأن باسعيد كان من الشعراء القلائل الذين نجحوا في جسر الهوة بين الثقافة اليمنية المحلية والساحة الفنية العربية الواسعة. كما أن أعماله المبعثرة تحتوي على توثيق حي لفترة مهمة من تاريخ الهجرة اليمنية وتجربة الاغتراب التي عاشها جيل كامل في النصف الثاني من القرن العشرين.

الفرصة الذهبية: لماذا الآن؟

تتيح الذكرى السنوية لرحيل باسعيد فرصة ذهبية لا تتكرر كثيراً. فالذكريات حول الشاعر وأعماله لا تزال حية في أذهان الجيل الذي عاصره، والعديد من الفنانين الذين تعاملوا معه لا يزالون أحياء ويحتفظون بذكريات وربما مخطوطات لم تُنشر. كما أن شبكات التواصل الاجتماعي تتيح اليوم إمكانيات هائلة لجمع وتوثيق المواد المبعثرة عبر حملة شعبية منظمة.

التوقيت مثالي أيضاً من الناحية التقنية. فالتطور في تقنيات الرقمنة والحفظ الرقمي يجعل من الممكن إنشاء أرشيف إلكتروني شامل لأعمال باسعيد، يضمن وصولها للأجيال القادمة. كما أن الاهتمام المتزايد بالتراث الثقافي في المنطقة، وخاصة في دول الخليج التي شهدت انتشار أعمال الشاعر، يوفر بيئة مؤاتية للحصول على الدعم المطلوب لمثل هذا المشروع.

من جانب آخر، يمكن الاستفادة من شبكة العلاقات الواسعة التي بناها باسعيد خلال عقود اغترابه في السعودية، حيث كان عضواً بارزاً في جمعيات الثقافة والفنون، وحيث نسج علاقات مع أسر كبيرة وإعلاميين مؤثرين. هذه الشبكة يمكن أن تصبح نواة لحملة جمع الأعمال المفقودة، خاصة وأن الكثير من هؤلاء الأشخاص قد يحتفظون بمواد تاريخية قيمة في مكتباتهم الشخصية.

الحل المطلوب: حملة شعبية منظمة

يتطلب إنقاذ كنوز باسعيد المبعثرة تنظيم حملة شعبية على ثلاث مراحل متتالية. المرحلة الأولى تتضمن إطلاق دعوة عامة عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، تستهدف جمع النصوص والمخطوطات من المكتبات الشخصية والأرشيف العائلي لكل من يحتفظ بمواد متعلقة بالشاعر. هذه الدعوة يجب أن تشمل أيضاً الصحفيين والإعلاميين الذين رافقوا مسيرة باسعيد، وخاصة في السعودية واليمن والخليج، والذين قد يحتفظون بتسجيلات أو مقابلات نادرة.

المرحلة الثانية تتطلب تشكيل لجنة تحرير متطوعة تضم خبراء في الأدب الشعبي والتراث اليمني، بالإضافة إلى متخصصين في التوثيق والأرشفة الرقمية. مهمة هذه اللجنة ستكون تنسيق عملية جمع المواد، والتحقق من صحتها ونسبتها للشاعر، وترتيبها بحسب فترات زمنية وموضوعات. كما ستعمل اللجنة على رقمنة المواد المجمعة وحفظها بطريقة آمنة تضمن عدم فقدانها مستقبلاً.

المرحلة الثالثة، والأهم، تتعلق بخطة النشر والتوزيع التي تضمن وصول هذا الإرث إلى أوسع شريحة ممكنة. هنا يأتي دور النشر الرقمي والورقي معاً، مع إعطاء الأولوية للإصدار الرقمي الذي يمكن توزيعه مجاناً عبر الإنترنت. كما يجب العمل على إنتاج مواد سمعية وبصرية تجعل هذا التراث متاحاً للأجيال الجديدة التي قد لا تميل لقراءة النصوص المكتوبة. الهدف النهائي هو تحويل قصة باسعيد من مثال على الإهمال الثقافي إلى نموذج يُحتذى به في إنقاذ التراث اليمني الآخر المهدد بالضياع.

دعوة للعمل: مسؤوليتنا الجماعية

لا يمكن أن تنجح هذه الحملة دون مشاركة فعلية من أبناء اليمن وأصدقاء التراث في الخليج والعالم العربي. المشاركة لا تتطلب خبرة متخصصة، بل تبدأ بخطوات بسيطة: البحث في المكتبات العائلية عن أي مواد متعلقة بباسعيد، والتواصل مع كبار السن الذين عاصروا فترة انتشار أعماله، ونشر الدعوة في الأوساط الثقافية والفنية. كل نص مُكتشف، وكل ذكرى موثقة، وكل صوت يشارك في الحملة، يساهم في استعادة جزء من الذاكرة الجماعية.

أهمية هذا العمل تتجاوز حدود تكريم شاعر واحد. فنجاح حملة إنقاذ إرث باسعيد سيصبح نموذجاً يمكن تطبيقه على عشرات المبدعين اليمنيين الآخرين الذين يواجهون نفس المصير. الشاعر حسين أبو بكر المحضار، وأحمد بن سعيد الواحدي، وعوض عبدالله المسلمي، وعشرات غيرهم، ينتظرون نفس الاهتمام. كما أن نجاح الحملة سيبرهن على أن المجتمع اليمني قادر على حماية تراثه بوسائله الذاتية، حتى في ظل ظروف صعبة.

الفرصة أمامنا الآن، والأدوات متوفرة، والحاجة ملحة. ما نحتاجه هو تحويل الحنين إلى عمل منظم، والحزن على الفقدان إلى فعل استباقي لحماية ما تبقى. يسلم بن علي باسعيد، شاعر "سُلّم الطائرة" و"دموع المهاجر"، يستحق أكثر من 150 نسخة من ديوان واحد. يستحق أن نجمع كنوزه المبعثرة، وأن نحولها إلى مشروع ثقافي يليق بعبقريته، وأن نجعل من قصته درساً في كيفية تحويل الذكرى إلى عمل حي ومستمر. المسؤولية على عاتق كل منا، والوقت لا ينتظر أحداً.

آخر الأخبار

عاجل: بنكان في عدن يبدآن صرف مرتبات متراكمة لآلاف الموظفين - العمالقة وثلاث محافظات تستلم أموالها!

عاجل: بنكان في عدن يبدآن صرف مرتبات متراكمة لآلاف الموظفين - العمالقة وثلاث محافظات تستلم أموالها!

فريق التحرير منذ أسبوع
عاجل: أهالي عدن بدون كهرباء 14 ساعة يومياً... والسبب صادم يتعلق بتهريب النفط!

عاجل: أهالي عدن بدون كهرباء 14 ساعة يومياً... والسبب صادم يتعلق بتهريب النفط!

فريق التحرير منذ أسبوع