الرئيسية أخبار جرائم القتل والاختطاف البيانات التي تكشف: لماذا 368 مليون دولار سعودية لن تصل لليمنيين بدون معاقبة هؤلاء المحافظين

البيانات التي تكشف: لماذا 368 مليون دولار سعودية لن تصل لليمنيين بدون معاقبة هؤلاء المحافظين

18 نوفمبر 2025
08:05 م
حجم الخط:
البيانات التي تكشف: لماذا 368 مليون دولار سعودية لن تصل لليمنيين بدون معاقبة هؤلاء المحافظين

في غرف الاجتماعات المغلقة بالعاصمة السعودية الرياض، ومكاتب وزارة الخارجية البريطانية في لندن، وأروقة الكونغرس الأمريكي في واشنطن، تتشكل هذه الأيام معادلة جديدة لليمن. معادلة تحمل في طياتها تهديداً صريحاً لمسؤولين يمنيين بعقوبات دولية قاسية، وتحمل أيضاً وعداً بـ368 مليون دولار قد تغير واقع ملايين اليمنيين. لكن هناك مشكلة واحدة: 278 مليون دولار من هذه الأموال اختفت في دهاليز الفساد المحلي، ولا أحد يعرف متى ستصل للمواطنين الذين ينتظرون رواتبهم منذ أشهر.

الأدلة الرقمية: كيف اختفت 278 مليون دولار من المساعدات

عندما أعلنت السعودية عن دعم مالي بقيمة 368 مليون دولار لليمن، اعتقد الموظفون الحكوميون أن معاناتهم مع انقطاع الرواتب ستنتهي أخيراً. لكن الواقع كشف عن قصة مختلفة تماماً. من إجمالي المبلغ المعلن، وصل فقط 90 مليون دولار إلى الحكومة اليمنية هذا الأسبوع، وهو ما يعادل أقل من 25% من إجمالي الدعم المخصص.

تشير بيانات البنك المركزي اليمني في عدن إلى أن فاتورة الأجور والمرتبات الشهرية تبلغ نحو 83 مليار ريال يمني (135 مليون دولار)، مما يعني أن المبلغ المستلم يكفي لتغطية راتبين فقط للموظفين. وهذا ما حدث بالفعل، حيث تمكنت الحكومة من صرف راتبين متأخرين بعد انقطاع دام منذ يونيو الماضي.

لكن السؤال الأهم يبقى: أين ذهبت الـ278 مليون دولار المتبقية؟ وفقاً لمصادر حكومية رفيعة، فإن هذه الأموال محجوزة لدى السلطات المحلية في عدة محافظات، وعلى رأسها محافظة مأرب التي تسيطر عليها قيادات حزب الإصلاح. هذه السلطات تماطل في توريد العائدات للبنك المركزي تحت ذرائع إدارية ولوجستية مختلفة، بينما الحقيقة تشير إلى استخدام هذه الأموال لتمويل مشاريع محلية وأنشطة سياسية.

تشريح نظام العرقلة: أساليب المحافظين في حجب العائدات

تكشف الوثائق الداخلية للحكومة اليمنية عن نظام معقد من العرقلة المالية يمارسه عدد من المحافظين، خاصة في المناطق الغنية بالموارد الطبيعية. الآلية تبدأ بتأخير تحويل العائدات الضريبية والجمركية تحت ذريعة "التحقق من الحسابات" أو "مراجعة الأرقام"، وقد تمتد هذه المراجعات لأشهر طويلة دون مبرر حقيقي.

في محافظة مأرب على سبيل المثال، تشير التقارير إلى أن سلطات الإصلاح تحتفظ بإيرادات النفط والغاز المحلية في حسابات منفصلة، مدعية أن هناك خلافات حول نسب التوزيع مع الحكومة المركزية. هذه الممارسة تحرم الخزينة العامة من مئات الملايين من الدولارات سنوياً، وتجبر الحكومة على الاعتماد على المنح الخارجية لتغطية النفقات الأساسية.

الأسلوب الآخر يتمثل في استحداث نقاط جباية غير رسمية على الطرق الرئيسية، حيث تفرض السلطات المحلية رسوماً إضافية على الشاحنات والبضائع تحت مسميات مختلفة مثل "رسوم الصيانة" أو "رسوم الحماية". هذه العائدات لا تجد طريقها أبداً إلى الحكومة المركزية، بل تُستخدم لتمويل النفقات المحلية والمشاريع السياسية للقوى المحلية المسيطرة.

التكلفة البشرية: من يدفع ثمن هذا الفساد؟

في شوارع عدن وحضرموت ولحج، تتجلى التكلفة الحقيقية لهذا النظام الفاسد في وجوه الموظفين الحكوميين الذين لم يتلقوا رواتبهم منذ أشهر. عقيل أحمد بن ثابت، الأستاذ الجامعي البالغ من العمر 55 عاماً، يختصر المأساة بكلمات بسيطة: "لا أملك ثمن أجرة المواصلات للذهاب إلى الجامعة". هذه ليست مجرد شكوى فردية، بل صورة مصغرة عن معاناة آلاف الموظفين الذين يواجهون ظروفاً اقتصادية قاسية.

باسل عبد الرحمن أنعم، الموظف الحكومي النازح من مناطق سيطرة الحوثيين، يمثل حالة خاصة من المعاناة. فهو وآلاف النازحين الآخرين يواجهون تهديدات بالطرد من منازلهم المستأجرة بسبب عجزهم عن دفع الإيجارات. "مفيش مرتب والحياة مستحيلة"، يقول أنعم، مضيفاً أن هذا الوضع أثر على الاستقرار النفسي والاجتماعي لأسرته.

تقرير البنك الدولي "المرصد الاقتصادي لليمن" يكشف عن البعد الأوسع لهذه الأزمة: أكثر من 60% من الأسر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دولياً تواجه أزمة في تأمين احتياجاتها الغذائية، ما يدفع العديد منها إلى اللجوء لآليات تكيف سلبية مثل التسول. هذا التدهور المعيشي مرتبط مباشرة بعرقلة توريد العائدات، حيث أن عدم وصول الأموال للخزينة العامة يعني توقف الخدمات الأساسية وانقطاع الرواتب.

خريطة الضغط الدولي: لماذا تحركت الرباعية الآن؟

القرار بتوجيه تهديد بالعقوبات الدولية لم يأت من فراغ، بل جاء نتيجة تطورات متسارعة في الأزمة المالية اليمنية وصلت إلى نقطة حرجة. المجموعة الرباعية الدولية - التي تضم الولايات المتحدة وبريطانيا والسعودية والإمارات - كانت تراقب تفاقم الوضع المالي منذ أشهر، خاصة بعد تحذيرات صندوق النقد الدولي من التبعات الخطيرة لاحتجاز المحافظات للإيرادات الضريبية والجمركية.

التوقيت ليس صدفة. فالتهديد جاء بعد أسبوع واحد من إعلان الدعم السعودي، وهو ما يشير إلى أن الرباعية ربطت تقديم المساعدات المستقبلية بضمانات حقيقية بوصولها للمستفيدين النهائيين. العقوبات المهددة تشمل تجميد الأصول وحظر السفر، وهي أدوات قوية لإجبار المسؤولين المحليين على الامتثال للقرارات الحكومية المركزية.

هذا الضغط الدولي يأتي أيضاً في سياق إعادة تقييم شاملة للاستراتيجية الدولية تجاه اليمن. فبعد سنوات من الدعم بلا شروط واضحة، بدأت القوى الدولية في ربط مساعداتها بإصلاحات مؤسسية حقيقية وآليات مراقبة صارمة. الهدف هو ضمان أن الأموال المخصصة لتخفيف معاناة الشعب اليمني تصل فعلاً إليه، وليس إلى جيوب المسؤولين الفاسدين أو تمويل مشاريعهم السياسية.

سيناريوهات المستقبل: ماذا يعني نجاح أو فشل هذا الضغط؟

تحليل الخيارات المتاحة أمام المحافظين المستهدفين بالتهديدات يكشف عن ثلاثة سيناريوهات محتملة. السيناريو الأول هو الامتثال الكامل لقرارات التوريد، وهو ما سيؤدي إلى تدفق منتظم للأموال إلى الخزينة العامة وإمكانية صرف الرواتب بانتظام. هذا السيناريو سيعزز موقف الحكومة المركزية ويفتح الباب أمام مزيد من الدعم الدولي، خاصة إذا أثبتت الحكومة قدرتها على إدارة الأموال بشفافية.

السيناريو الثاني هو المقاومة الجزئية، حيث قد يوافق بعض المحافظين على توريد جزء من العائدات بينما يحتفظ آخرون بمواقفهم. هذا السيناريو سيؤدي إلى تحسن نسبي في الوضع المالي، لكنه لن يحل الأزمة بشكل كامل، وقد يدفع الرباعية الدولية لتطبيق العقوبات على المخالفين بشكل انتقائي.

السيناريو الثالث والأخطر هو الرفض الكامل للضغوط الدولية، وهو ما سيؤدي إلى تطبيق العقوبات فعلياً. هذا السيناريو قد يخلق أزمة سياسية عميقة داخل التحالف المناهض للحوثيين، ويفتح الباب أمام مزيد من التفكك المؤسسي. لكنه في المقابل قد يرسل رسالة واضحة لجميع الأطراف أن المجتمع الدولي جاد في مطالبه بالشفافية والمساءلة.

النجاح في تطبيق هذه الآلية قد يحولها إلى نموذج قابل للتكرار في قضايا الفساد الأخرى، ليس فقط في اليمن بل في دول أخرى تواجه تحديات مشابهة. وهذا ما يجعل الأسابيع القادمة حاسمة ليس فقط لمستقبل اليمن، بل لمستقبل آليات المساءلة الدولية في مكافحة الفساد وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها الحقيقيين.

في نهاية المطاف، تكشف هذه القصة عن حقيقة مؤلمة: أن الفساد المحلي قد يكون أكثر تدميراً من الحروب والصراعات المسلحة. فبينما تتدفق مئات الملايين من الدولارات من المانحين الدوليين لتخفيف معاناة الشعب اليمني، تختفي هذه الأموال في دوامة الفساد المحلي، تاركة الموظفين الحكوميين بلا رواتب والمواطنين بلا خدمات أساسية. التهديد بالعقوبات الدولية يمثل اختباراً حقيقياً لمدى جدية المجتمع الدولي في مكافحة هذا النوع من الفساد، وقد يكون بداية لمرحلة جديدة من المساءلة والشفافية إذا تم تطبيقه بحزم وعدالة.

آخر الأخبار

عاجل: بنكان في عدن يبدآن صرف مرتبات متراكمة لآلاف الموظفين - العمالقة وثلاث محافظات تستلم أموالها!

عاجل: بنكان في عدن يبدآن صرف مرتبات متراكمة لآلاف الموظفين - العمالقة وثلاث محافظات تستلم أموالها!

فريق التحرير منذ أسبوع
عاجل: أهالي عدن بدون كهرباء 14 ساعة يومياً... والسبب صادم يتعلق بتهريب النفط!

عاجل: أهالي عدن بدون كهرباء 14 ساعة يومياً... والسبب صادم يتعلق بتهريب النفط!

فريق التحرير منذ أسبوع