الرئيسية أخبار جرائم القتل والاختطاف لماذا يجب على العرب قراءة "تجربة اليمن" في مواجهة نموذج الإدارة الدولية الجديد لغزة؟

لماذا يجب على العرب قراءة "تجربة اليمن" في مواجهة نموذج الإدارة الدولية الجديد لغزة؟

18 نوفمبر 2025
11:05 ص
حجم الخط:
لماذا يجب على العرب قراءة "تجربة اليمن" في مواجهة نموذج الإدارة الدولية الجديد لغزة؟

في ليل 17 نوفمبر 2025، بينما كانت العواصم العربية غارقة في نومها، تبنى مجلس الأمن الدولي قراراً سيعيد تشكيل مفهوم السيادة في منطقة الشرق الأوسط إلى الأبد. القرار 2803 لم يكن مجرد موافقة على خطة ترامب العشرينية لغزة، بل كان إعلاناً عن ولادة نموذج جديد للحكم الدولي المباشر على الأراضي العربية. وبينما احتفلت واشنطن بانتصارها الدبلوماسي، كان هناك صوت واحد في المنطقة يعرف هذا النموذج جيداً: اليمن، البلد الذي قاوم لعقد كامل محاولات مماثلة لفرض الوصاية الخارجية تحت شعارات إنسانية.

التجربة اليمنية: درس في مقاومة نماذج الإدارة الخارجية

عندما بدأت "عاصفة الحزم" في مارس 2015، لم تكن الحرب على اليمن مجرد تدخل عسكري، بل كانت محاولة لتطبيق نموذج متقدم من الإدارة الدولية المباشرة. التحالف الذي قادته السعودية، بدعم أمريكي وأوروبي، سعى لإعادة تشكيل اليمن وفق معايير جيوسياسية إقليمية، تماماً كما يسعى "مجلس السلام" اليوم لإعادة تشكيل غزة وفق المعايير الأمريكية-الإسرائيلية. في كلا الحالتين، تم استخدام الأزمة الإنسانية كمدخل لفرض نماذج حكم خارجية تتجاوز إرادة الشعوب المحلية.

الدرس اليمني الأول يكمن في فهم آليات عمل هذه النماذج. فكما تم إنشاء "الحكومة الشرعية" اليمنية في الرياض، تحت إشراف إقليمي مباشر، يتم اليوم إنشاء "مجلس السلام" لغزة تحت إشراف دولي مباشر. في كلا النموذجين، تصبح الشرعية مستمدة من القوى الخارجية وليس من الإرادة الشعبية، وتصبح السيادة مفهوماً قابلاً للتفاوض مقابل الأمن والاستقرار المفروضين خارجياً.

لكن التجربة اليمنية كشفت أيضاً عن نقاط الضعف الجوهرية في هذه النماذج. رغم عقد كامل من التدخل والحصار، فشلت القوى الخارجية في كسر الإرادة الشعبية اليمنية أو فرض نموذج حكمها المفضل. المقاومة الشعبية، المدعومة بالعمق الثقافي والتاريخي، أثبتت أنها أقوى من أحدث الأسلحة وأكبر التحالفات الإقليمية والدولية.

نموذج غزة الجديد: تشريح قرار مجلس الأمن 2803

قرار مجلس الأمن 2803 يمثل نقلة نوعية في أساليب الهيمنة الأمريكية على الشرق الأوسط. فللمرة الأولى منذ عقود، تحصل الولايات المتحدة على تفويض أممي صريح لممارسة السيادة المباشرة على قطعة من الأرض العربية لمدة ثلاث سنوات كاملة، قابلة للتجديد. "مجلس السلام" الذي يرأسه ترامب شخصياً ليس مجرد هيئة إشرافية، بل سلطة حاكمة فعلية تتمتع بـ"شخصية قانونية دولية" و"سلطات تصرفية" واسعة تشمل إدارة الحوكمة والأمن والاقتصاد والحدود.

الصلاحيات الممنوحة لـ"مجلس السلام" تتجاوز بكثير ما كان متاحاً للإدارات الانتقالية في العراق أو أفغانستان. فالمجلس يملك سلطة "تنسيق التمويل لإعادة التطوير"، وهو ما يعني السيطرة الكاملة على الموارد المالية الداخلة إلى غزة. كما يملك سلطة "تنفيذ إدارة حكم انتقالية" تشمل "الإشراف والدعم" للجنة الفلسطينية التكنوقراطية، وهو ما يعني أن أي قرار فلسطيني يحتاج موافقة أمريكية مسبقة. حتى "القوة الدولية للاستقرار" تعمل "تحت التوجيه الاستراتيجي لمجلس السلام"، مما يجعل الولايات المتحدة القائد الفعلي للقوات العسكرية في غزة.

الأخطر من ذلك أن دور السلطة الفلسطينية في هذا النموذج محدود ومشروط. فالقرار ينص على أن السلطة يمكنها "استعادة السيطرة على غزة" فقط "بعد إتمام برنامج إصلاحها على نحو مرض" وفق معايير تشمل "خطة السلام للرئيس ترامب لعام 2020". هذا يعني أن السيادة الفلسطينية على غزة لن تُستعاد إلا إذا وافقت السلطة على شروط أمريكية-إسرائيلية محددة مسبقاً، وهو ما يجعل السيادة مكافأة وليست حقاً طبيعياً.

نقاط التقاطع: ما يمكن أن تعلمه غزة من اليمن

التشابه الأكثر لفتاً بين التجربتين يكمن في استخدام الأزمة الإنسانية كنقطة دخول للسيطرة السياسية. في اليمن، استُخدم انهيار الاقتصاد وتدهور الخدمات كمبرر للتدخل الإقليمي والدولي. في غزة، تُستخدم الحاجة لإعادة الإعمار كمبرر للإدارة الدولية المباشرة. في كلا الحالتين، يصبح قبول المساعدات الخارجية مشروطاً بالتنازل عن درجات من السيادة السياسية.

لكن التجربة اليمنية تقدم أيضاً دروساً مهمة حول إمكانية المقاومة. النموذج اليمني أثبت أن الوحدة الداخلية، رغم تعقيداتها، تبقى أقوى من التحالفات الخارجية. عندما تمكنت القوى اليمنية من تجاوز خلافاتها الداخلية والتوحد حول رفض الهيمنة الخارجية، تمكنت من إحباط أهداف التدخل الخارجي رغم الفارق الهائل في موازين القوى. هذا الدرس ينطبق بقوة على الحالة الفلسطينية، حيث تبقى الوحدة الوطنية الفلسطينية هي السلاح الأقوى في وجه مشاريع التقسيم والهيمنة.

الدرس الثاني يتعلق بأهمية الحفاظ على الهوية الثقافية والسياسية في مواجهة محاولات إعادة التشكيل الخارجية. في اليمن، لعبت القيم القبلية والدينية التقليدية دوراً محورياً في رفض النماذج المفروضة خارجياً، حتى لو كانت تبدو "أكثر حداثة" أو "أكثر ديمقراطية" في ظاهرها. التمسك بالهوية الوطنية الأصيلة، وليس المُعاد تشكيلها خارجياً، أثبت أنه ضروري للحفاظ على الاستقلال الحقيقي.

التحديات المشتركة: السيادة مقابل المساعدات

كلا من اليمن وغزة يواجهان نفس المعادلة الصعبة: الحاجة الماسة للمساعدات الإنسانية مقابل الحفاظ على السيادة السياسية. في اليمن، تم استخدام المساعدات الإنسانية كأداة سياسية من قبل جميع الأطراف المتصارعة، الداخلية والخارجية. الدروس اليمنية تشير إلى أن قبول المساعدات بشروط سياسية يؤدي حتماً إلى تآكل السيادة تدريجياً، حتى لو بدت الشروط "معقولة" في البداية.

التجربة اليمنية تُظهر أيضاً خطورة الاعتماد طويل المدى على الإدارة الخارجية للشؤون الداخلية. في المناطق التي سيطر عليها التحالف، تم تفكيك البُنى المؤسسية التقليدية وإعادة بنائها وفق النماذج المفضلة للقوى الخارجية. النتيجة كانت خلق طبقة حاكمة معتمدة بالكامل على الدعم الخارجي، فاقدة للشرعية الشعبية، وعاجزة عن الحكم بدون الحماية الخارجية المستمرة. هذا تحديداً ما يحذر منه الخبراء الاستراتيجيون بشأن نموذج "مجلس السلام" في غزة.

الدرس الأهم من التجربة اليمنية هو أن المقاومة الذكية لا تعني الرفض المطلق للتعاون الدولي، بل تعني وضع شروط واضحة تحمي السيادة الوطنية. القوى اليمنية التي نجحت في الحفاظ على استقلالها تعلمت كيفية قبول المساعدات الإنسانية دون قبول الشروط السياسية، وكيفية التعامل مع القوى الدولية دون الخضوع لهيمنتها. هذا النموذج من المقاومة الذكية قد يكون الأكثر فائدة للقوى الفلسطينية اليوم.

استراتيجية المستقبل: كيف يمكن للعرب تطبيق الدروس اليمنية

الدرس الاستراتيجي الأول من التجربة اليمنية هو ضرورة تطوير نماذج مقاومة تتجاوز الرد العسكري المباشر. النموذج اليمني أثبت فعالية المقاومة السياسية والاقتصادية والثقافية في مواجهة محاولات الهيمنة. بناء مؤسسات شعبية قادرة على تقديم الخدمات بديلاً عن الإدارات المفروضة خارجياً، تطوير اقتصاد مقاوم يقلل الاعتماد على المساعدات المشروطة، والحفاظ على الثقافة السياسية المستقلة، كلها عناصر ثبتت فعاليتها في الحالة اليمنية.

الدرس الثاني يتعلق بأهمية بناء تحالفات إقليمية مستقلة عن القوى الكبرى. التجربة اليمنية أظهرت أن الاعتماد على دعم قوة إقليمية أو دولية واحدة يؤدي حتماً إلى فقدان هامش المناورة السياسية. النموذج الأكثر نجاحاً كان التعامل مع متعدد الأطراف دون الارتهان لأي منهم، والحفاظ على القدرة على اتخاذ قرارات مستقلة حتى في أصعب الظروف. هذا الدرس بالغ الأهمية للقوى الفلسطينية والعربية التي تواجه ضغوطاً مماثلة للقبول بالحلول المفروضة خارجياً.

الدرس الثالث والأهم هو أن المقاومة الناجحة تتطلب رؤية استراتيجية طويلة المدى تتجاوز ردود الفعل الآنية. النموذج اليمني نجح لأنه لم يكن مجرد رفض للتدخل الخارجي، بل كان مشروعاً لبناء نموذج حكم مستقل وقابل للاستمرار. القوى العربية اليوم بحاجة لتطوير نماذج حكم وتنمية بديلة قادرة على منافسة النماذج المفروضة خارجياً، ليس فقط في المقاومة ولكن في تقديم حلول عملية أفضل لمشاكل الشعوب الحقيقية.

التجربة اليمنية تُذكر العالم العربي بأن السيادة ليست منحة تُقدم من القوى الكبرى، بل حق يُنتزع ويُحافظ عليه بالإرادة الشعبية والمقاومة الذكية. وبينما يحتفل البعض بقرار مجلس الأمن 2803 كخطوة نحو السلام، تقف التجربة اليمنية شاهداً على أن السلام الحقيقي لا يُبنى على أسس الهيمنة والوصاية الخارجية، بل على احترام السيادة والحق في تقرير المصير. الدرس اليمني واضح: الشعوب التي تختار الكرامة على الأمان المؤقت، والاستقلال على الرفاه المشروط، هي التي تكتب تاريخها بنفسها في النهاية.

آخر الأخبار

عاجل: بنكان في عدن يبدآن صرف مرتبات متراكمة لآلاف الموظفين - العمالقة وثلاث محافظات تستلم أموالها!

عاجل: بنكان في عدن يبدآن صرف مرتبات متراكمة لآلاف الموظفين - العمالقة وثلاث محافظات تستلم أموالها!

فريق التحرير منذ أسبوع
عاجل: أهالي عدن بدون كهرباء 14 ساعة يومياً... والسبب صادم يتعلق بتهريب النفط!

عاجل: أهالي عدن بدون كهرباء 14 ساعة يومياً... والسبب صادم يتعلق بتهريب النفط!

فريق التحرير منذ أسبوع