الرئيسية أخبار جرائم القتل والاختطاف لماذا انهيار قواعد الحكم في اليمن يعني أن المستقبل بات رهين القوة لا القانون

لماذا انهيار قواعد الحكم في اليمن يعني أن المستقبل بات رهين القوة لا القانون

17 نوفمبر 2025
03:20 م
حجم الخط:
لماذا انهيار قواعد الحكم في اليمن يعني أن المستقبل بات رهين القوة لا القانون

في عاصمة تعصف بها رياح التغيير السياسي منذ سنوات، وقعت مؤخراً أحداث تبدو للوهلة الأولى كصراع داخلي عادي بين قادة سياسيين، لكن تحليلاً أعمق يكشف عن تحول خطير في طبيعة الحكم ذاته. فقد وجهت مذكرة رسمية من مكتب رئاسة الجمهورية الحكومة بإصدار قرارات تشرعن تعيينات "غير قانونية" أصدرها عضو المجلس الرئاسي عيدروس الزبيدي، في سابقة تكشف أن القوة أصبحت تفرض شرعيتها على القانون، وأن المؤسسات باتت تعمل وفق منطق "الأمر الواقع" بدلاً من القواعد المكتوبة.

مسرح الجريمة: كيف تم تجاوز القانون علانية

الأدلة واضحة والشهود متاحون في قضية تجاوز صارخ للقانون حدث على مرأى من الجميع. فبينما كان من المفترض أن تمر القرارات عبر المسارات الدستورية المحددة، قام عيدروس الزبيدي بإصدار تعيينات في مناصب حكومية دون أن يملك الصلاحية القانونية لذلك. وعندما تم تكليف فريق قانوني بمراجعة هذه القرارات خلال 90 يوماً، كانت النتيجة واضحة: القرارات غير قانونية ولا تملك أساساً دستورياً.

لكن ما حدث بعد ذلك يمثل اللحظة الحاسمة في هذه القضية. فبدلاً من إلغاء القرارات غير القانونية، جاءت المذكرة الرسمية من مكتب الرئاسة لتطلب من الحكومة "شرعنة" هذه القرارات وإعطاءها غطاءً رسمياً. إنه تحول من محاولة تصحيح المخالفة إلى تثبيتها قانونياً، كما لو أن السلطة تقول: "نعم، هذا مخالف للقانون، لكننا سنغير القانون ليوافق الواقع".

منصور صالح، القيادي في المجلس الانتقالي، لا يخفي حقيقة ما حدث عندما يصرح بأن "القرارات مررت مقابل عدم البت في القرارات الصادرة عن رئيس مجلس القيادة خلال الثلاث سنوات الماضية". هذا التصريح يكشف عن نمط خطير: السياسة أصبحت مقايضات وصفقات، والقرارات الحكومية باتت أوراق تفاوض يمكن تجميدها أو تمريرها حسب التوازنات السياسية، وليس حسب الحاجة العامة أو الإجراءات القانونية.

تحليل البصمات: من يحكم فعلاً في اليمن؟

للوصول إلى جوهر هذه القضية، يجب فحص آلية اتخاذ القرار داخل المجلس الرئاسي بعناية محقق جنائي. الدكتور فيصل الحذيفي، أستاذ العلوم السياسية، يقدم تشخيصاً مدقّقاً للوضع: "نحن أمام سلطة جاءت بدون قواعد وتؤدي عملها خارج إطار القواعد". هذا التحليل يكشف أن المشكلة ليست في شخصيات معينة أو صراعات فردية، بل في طبيعة النظام نفسه.

المفارقة المذهلة أن هناك قوانين ولوائح تنظم عمل الجهات الحكومية: الدستور ينظم صلاحيات رئيس الجمهورية، وقانون الأمانة العامة لرئاسة الجمهورية ينظم إصدار القرارات، والأمانة العامة لمجلس الوزراء لها لوائحها التنفيذية. لكن كل هذه القوانين تم "إطاحتها عرض الحائط" كما يقول الحذيفي، والنتيجة هي سلطة تحكم بلا قواعد واضحة.

الأخطر من ذلك هو غياب آلية إلزامية لحسم النزاعات داخل المجلس الرئاسي. فعندما يختلف الأعضاء، لا توجد قواعد واضحة لحل الخلاف، مما يعني أن القرار النهائي يذهب لمن يملك نفوذاً أكبر أو قدرة أقوى على فرض إرادته. هذا ما يفسر كيف تمكن الزبيدي من فرض قراراته رغم عدم قانونيتها، ثم إجبار الآخرين على شرعنتها لاحقاً.

الدافع وراء الجريمة: لماذا انهارت قواعد الحكم؟

البحث عن الدوافع وراء هذا التحول يقودنا إلى تحليل أعمق للقوى المحركة في المشهد اليمني. منصور صالح يكشف جانباً من الصفقة عندما يتحدث عن "التوافق" و"الشراكة" و"المناصفة المنصوص عليها في اتفاق الرياض". هذه المصطلحات تشير إلى أن القرارات لم تعد تُتخذ بناءً على الحاجة العامة أو الكفاءة، بل وفق حسابات التوازن بين الأطراف المتنفذة.

الدكتور الحذيفي يضع يده على نقطة حاسمة عندما يشير إلى "الضغوط الخارجية" و"الوكيل الدولي" الذي "يلعب بالمشهد ولا يهمه إن كان الأمر سليماً أو غير سليم، قانونياً أو غير قانوني". هذا التحليل يكشف أن انهيار القواعد الداخلية لم يحدث في فراغ، بل كان نتيجة لحسابات إقليمية ودولية تضع الاستقرار السياسي المؤقت فوق بناء مؤسسات قوية.

المؤشر الأوضح على هذا التحول هو حالة غياب السلطة التشريعية عن ممارسة دورها الرقابي. في النظم الدستورية الطبيعية، تكون السلطة التشريعية هي الحارس على تطبيق القوانين ومراقبة أداء السلطة التنفيذية. لكن في الحالة اليمنية، تحول البرلمان إلى كيان معطل، مما ترك الساحة مفتوحة أمام لعبة التوازنات دون رقيب دستوري.

تداعيات الجريمة: كيف أصبح المستقبل رهين القوة؟

هذه الأحداث لا تمثل مجرد خلاف سياسي عابر، بل تشكل سابقة خطيرة قد تعيد تشكيل طبيعة الحكم في اليمن إلى الأبد. عندما تصبح المخالفات القانونية "أمراً واقعاً" يمكن شرعنته لاحقاً، فإن هذا يفتح الباب أمام نمط جديد من الحكم يعتمد على "فرض الأمر الواقع" ثم البحث عن تبريرات قانونية له.

السابقة الأخطر في هذا المسار هو ما حدث مع "المدير العام لهيئة أراضي وعقارات الدولة" الذي كان معيناً بشكل قانوني، لكن الزبيدي أطاح به بشكل غير قانوني، ثم تم "تعزيز المخالفة للقانون بشكل مشرعن" كما يشير الحذيفي. هذا النمط يعني أن أي مسؤول، مهما كان تعيينه سليماً قانونياً، يمكن إقالته إذا لم يتماش مع رغبات القوى المتنفذة، وستجد السلطة طريقة لشرعنة هذه الإقالة لاحقاً.

التداعيات المستقبلية لهذا النمط كارثية على المستوى المؤسسي. فإذا كانت المناصب الحكومية أصبحت ورقة مساومة في التفاوض السياسي، وإذا كان بإمكان أي طرف فرض قراراته ثم إجبار الآخرين على شرعنتها، فإن هذا يعني انهيار مبدأ سيادة القانون تماماً. المؤسسات تفقد استقلاليتها، والموظفون يصبحون رهائن للتقلبات السياسية، والخدمات العامة تتحول إلى امتيازات يمكن منحها أو حجبها حسب الولاءات السياسية.

ملف القضية: النتائج والتوصيات

التحقيق في هذه القضية يقود إلى استنتاج مؤلم: اليمن يشهد تحولاً جذرياً من "دولة المؤسسات" إلى "دولة التوازنات". النظام السياسي لم يعد يعتمد على القوانين والإجراءات المحددة، بل على موازين القوى المتحركة بين الأطراف المختلفة. كل طرف يحاول فرض أكبر قدر ممكن من مصالحه، والطرف الأقوى هو الذي ينجح في جعل مخالفاته "أمراً واقعاً" يحتاج إلى شرعنة لاحقة.

على المستوى العملي، هذا التحول يعني أن المواطن اليمني العادي أصبح يواجه واقعاً مريراً: الخدمات الحكومية لم تعد حقوقاً مضمونة بالقانون، بل أصبحت تعتمد على طبيعة العلاقة بين الجهة المقدمة للخدمة والقوى المسيطرة في المنطقة. إذا كانت هناك خلافات سياسية، فقد يتم تعطيل الخدمات. وإذا تم التوصل لتفاهمات، فقد يتم تحسينها، بغض النظر عن الحاجة الفعلية أو الأولويات التنموية.

السؤال الأكبر الذي تتركه هذه القضية مفتوحاً هو: هل يمكن العودة لحكم القانون أم أن "شريعة الغابة" أصبحت هي النظام الجديد؟ الإجابة على هذا السؤال تعتمد على قدرة القوى السياسية اليمنية على إدراك الخطر الحقيقي لهذا المسار، وعلى الضغوط الإقليمية والدولية لإعادة بناء نظام مؤسسي حقيقي. لكن الوقت يمر، والسوابق تتراكم، وكل يوم يمر في ظل هذا النظام يجعل العودة إلى دولة القانون أصعب وأكثر تعقيداً. المستقبل فعلاً أصبح رهين القوة، والسؤال هو: متى سيدرك الجميع أن هذا المسار يقود إلى هاوية لا قرار فيها لأحد؟

في النهاية، هذه القضية تمثل أكثر من مجرد صراع سياسي داخلي، إنها مرآة تعكس التحديات الأساسية التي تواجه بناء الدولة في عالم متغير. التجربة اليمنية تظهر كيف يمكن للضغوط الخارجية والتوازنات الداخلية أن تحول المؤسسات من أدوات خدمة للشعب إلى أوراق مساومة بين النخب. والدرس الأهم هو أن بناء دولة حقيقية يحتاج إلى أكثر من مجرد هياكل وقوانين، بل يحتاج إلى ثقافة سياسية تؤمن بأن القانون فوق الجميع، وأن المؤسسات ملك للشعب وليس للحكام.

آخر الأخبار

عاجل: بنكان في عدن يبدآن صرف مرتبات متراكمة لآلاف الموظفين - العمالقة وثلاث محافظات تستلم أموالها!

عاجل: بنكان في عدن يبدآن صرف مرتبات متراكمة لآلاف الموظفين - العمالقة وثلاث محافظات تستلم أموالها!

فريق التحرير منذ أسبوع
عاجل: أهالي عدن بدون كهرباء 14 ساعة يومياً... والسبب صادم يتعلق بتهريب النفط!

عاجل: أهالي عدن بدون كهرباء 14 ساعة يومياً... والسبب صادم يتعلق بتهريب النفط!

فريق التحرير منذ أسبوع