الرئيسية أخبار جرائم القتل والاختطاف كيف تحول حضرموت أزمة الثقة الحالية إلى نموذج يمني للوحدة في التنوع

كيف تحول حضرموت أزمة الثقة الحالية إلى نموذج يمني للوحدة في التنوع

17 نوفمبر 2025
02:05 م
حجم الخط:
كيف تحول حضرموت أزمة الثقة الحالية إلى نموذج يمني للوحدة في التنوع

في محافظة حضرموت، أكبر محافظات اليمن مساحة وأغناها نفطياً، تتصاعد حالة توتر خطيرة منذ أكثر من عام، تهدد بتحويل واحة الاستقرار التي كانت عليها المحافظة منذ تحريرها من تنظيم القاعدة عام 2015 إلى بؤرة صراع جديدة. لكن هذا التحدي الراهن، مهما بدا مقلقاً، يحمل في طياته فرصة استثنائية لحضرموت كي تعيد تأسيس نموذجها الفريد في إدارة التنوع والتعايش، وأن تقدم للعالم العربي درساً عملياً في كيفية تحويل أزمات الثقة إلى جسور للوحدة الوطنية. فالسؤال المطروح اليوم ليس ما إذا كانت حضرموت ستتجاوز محنتها الراهنة، بل كيف ستحولها إلى نموذج يمني رائد للوحدة في التنوع.

إيران متهمة بتزويد الحوثيين بالأسلحة بما فيها الصواريخ والمسيّرات (رويترز)

تشخيص دقيق: جذور أزمة الثقة الحالية في حضرموت

تكمن جذور التوتر الحالي في تضارب الرؤى حول هوية القوات الأمنية وولاءاتها، حيث اتهم حلف قبائل حضرموت قوات الدعم الأمني المدعومة من الإمارات بالتخطيط لغزو المحافظة والعبث بأمنها واستقرارها. وبحسب بيان الحلف، فإن معظم أفراد هذه القوات من خارج المحافظة وتمارس أعمالاً استفزازية ضد المواطنين، بل وأطلقت النار مما تسبب في إصابة ثلاثة واعتقال آخرين، واعتدت على أكثر من 12 شخصاً في مناطق البادية الحضرمية.

هذا التصعيد يأتي في سياق أوسع من التنافس الإقليمي، حيث يشير الدكتور عمر باجردانة، رئيس مركز المعرفة للدراسات والأبحاث الاستراتيجية بحضرموت، إلى أن "ما يدور اليوم في حضرموت هو ضمن الصراع الإقليمي والدولي". فكل التشكيلات والقوات مدعومة خارجياً، سواء كانت قوات الدعم الأمني المدعومة من الإمارات أم القوات التي شكلها الحلف بدعم من السعودية.

لكن الأخطر من ذلك هو تآكل الثقة في المؤسسات المحلية نفسها، حيث يؤكد الصحفي صبري بن مخاشن أن المنطقة العسكرية الثانية التي يقودها اللواء طالب بارجاش "أصبحت تحيك المؤامرات على حضرموت وقياداتها ونخبتها"، مشيراً إلى أن أكثر من ستة ضباط في المنطقة العسكرية الثانية يتهمون قائدهم بمحاولة شق النخبة الحضرمية وإدخال قوات غير حضرمية. هذا التفكك الداخلي يهدد بتحويل حضرموت إلى "فاشر جديدة" كما حذر بن مخاشن، في إشارة إلى الصراعات المدمرة في السودان.

ومع ذلك، فإن هذه الأزمة تكشف أيضاً عن قوة الهوية الحضرمية ووعي أبنائها بخصوصيتهم وحقهم في تقرير مصيرهم. فالتوتر الحالي، رغم خطورته، يعكس رفضاً شعبياً واضحاً لأي محاولة لفرض واقع أمني أو سياسي من الخارج، ويؤكد على التمسك بالحق في الاختيار الحر للقيادات المحلية والمشاركة في القرارات المصيرية.

الحكمة التراثية: كيف حلت حضرموت نزاعاتها تاريخياً

لفهم كيفية تجاوز الأزمة الراهنة، علينا النظر في التاريخ الحضرمي الحافل بنجاحات استثنائية في حل النزاعات وإدارة التنوع. فحضرموت، عبر تاريخها الطويل، طورت نظاماً فريداً يقوم على الحكمة القبلية والوساطة المجتمعية والتوافق بدلاً من الإقصاء. هذا النظام مكّن المحافظة من التعايش مع تنوع قبلي وجغرافي واقتصادي معقد، حيث تتجاور المناطق الساحلية مع الصحراوية والحضرية مع البدوية.

المجالس القبلية والحكماء لعبوا دوراً محورياً في هذا النظام، حيث كانوا يمثلون سلطة أخلاقية معترف بها من جميع الأطراف. هؤلاء الحكماء، الذين يتمتعون بثقة شعبية عالية واستقلالية عن المصالح الضيقة، كانوا قادرين على الوساطة في أعقد النزاعات وإيجاد حلول مقبولة من الجميع. كما أن القيم الحضرمية التقليدية، مثل الكرم والعدالة واحترام الضيف والجار، شكلت أساساً ثقافياً قوياً لاستيعاب الخلافات ومنع تفاقمها.

النجاح الأبرز لهذا النهج كان في تحرير مدينة المكلا من تنظيم القاعدة عام 2015، حيث لعب حلف قبائل حضرموت دوراً حاسماً في دعم العملية العسكرية وضمان نجاحها. هذا التعاون بين القبائل والقوات النظامية حقق إنجازاً أمنياً مهماً، حيث استطاعت حضرموت أن تصبح واحة استقرار في بحر من الفوضى اليمنية. كما يؤكد الدكتور باجردانة أن "حضرموت شكلت نموذجاً في الأمن والاستقرار، حيث لم نسمع بأي عملية اغتيال أو سطو أو تقطع منذ تحرير المكلا من القاعدة إلى اليوم".

هذا النجاح لم يكن صدفة، بل نتيجة لتطبيق مبادئ الحكمة الحضرمية التقليدية في السياق المعاصر. فالقبائل لم تكتف بالدعم العسكري، بل قدمت غطاءً شعبياً واسعاً للقوات النظامية، مما ضمن قبول المجتمع المحلي للترتيبات الأمنية الجديدة. كما أن احترام الخصوصيات المحلية والاستفادة من البنى التقليدية للسلطة مكّن من تحقيق الاستقرار دون إثارة حساسيات قبلية أو اجتماعية.

خارطة الطريق: آليات عملية لبناء الثقة وإعادة التماسك

الحل لأزمة الثقة الحالية يكمن في العودة إلى هذه الجذور الحضرمية العريقة وتطبيقها على التحديات المعاصرة. الخطوة الأولى تتمثل في تشكيل لجنة حكماء مؤقتة تضم شخصيات محترمة ومستقلة من مختلف مناطق حضرموت، تتولى الوساطة بين الأطراف المتنازعة. هذه اللجنة يجب أن تكون لها صلاحيات واضحة ومحددة زمنياً، وأن تعمل وفق مبادئ الشفافية والحياد التام.

الخطوة الثانية تركز على إصلاح هيكل القوات الأمنية بما يضمن الشفافية والمساءلة. يجب إجراء مراجعة شاملة لقوات الدعم الأمني وجميع التشكيلات العسكرية في المحافظة، مع ضمان أن تكون القيادات معروفة ومقبولة محلياً، وأن تخضع لآليات واضحة للإشراف والمراقبة. كما يجب توضيح القنوات القانونية والدستورية لتشكيل وإدارة هذه القوات، والكشف عن مصادر تمويلها وإسنادها.

المشاركة المجتمعية تمثل العمود الفقري لأي حل مستدام. يجب إنشاء آليات فعّالة لإشراك المجتمع المدني والقيادات القبلية والمثقفين في اتخاذ القرارات الأمنية والإدارية المهمة. هذا يمكن أن يتم من خلال مجالس استشارية محلية تضم ممثلين من مختلف شرائح المجتمع الحضرمي، تجتمع بانتظام مع القيادات الأمنية والإدارية لمناقشة الأوضاع وتقديم التوصيات.

أخيراً، يجب الاستثمار في دور المثقفين والحكماء كجسر للحوار والتفاهم. هؤلاء يمكنهم لعب دور حيوي في تهدئة النفوس وإعادة بناء الثقة من خلال المبادرات الثقافية والاجتماعية والحوارات الجماهيرية. كما يمكن الاستفادة من المساجد والمجالس التقليدية كمنصات للحوار والتوعية، بهدف تعزيز قيم التسامح والتعايش والوحدة الوطنية.

جانب من اجتماع لمجلس الأمن الدولي (الأمم المتحدة)

النموذج الحضرمي: من إدارة الأزمة إلى رؤية للتنوع الوطني

إن نجاح حضرموت في تجاوز أزمتها الراهنة لن يكون مجرد إنجاز محلي، بل سيشكل نموذجاً رائداً يمكن تطبيقه في محافظات يمنية أخرى تواجه تحديات مشابهة. فالنهج الحضرمي القائم على التوافق واحترام التنوع والاستفادة من الحكمة التقليدية يمكن أن يقدم بديلاً عملياً للحلول المفروضة من الخارج أو القائمة على القوة وحدها. هذا النموذج يؤكد أن الاستقرار الحقيقي لا يمكن أن يتحقق إلا عندما ينبع من الداخل ويعكس إرادة حقيقية للمجتمعات المحلية.

التوازن بين الهوية المحلية والانتماء الوطني اليمني يمثل أحد أبرز نقاط القوة في النموذج الحضرمي المقترح. فحضرموت، بتاريخها العريق وخصوصيتها الثقافية، لا تسعى للانفصال أو التمرد على الهوية اليمنية الجامعة، بل تريد أن تساهم فيها من موقع القوة والثقة بالنفس. هذا المنهج يمكن أن يلهم محافظات أخرى للفخر بهوياتها المحلية مع البقاء في إطار الوحدة الوطنية الأوسع.

دور حضرموت في تعزيز الوحدة الوطنية من خلال احترام التنوع لا يقتصر على البعد السياسي، بل يشمل أيضاً البعد الاقتصادي والثقافي. فالمحافظة، بثرواتها النفطية وموانئها الاستراتيجية وتاريخها التجاري العريق، يمكنها أن تكون محركاً للتنمية الاقتصادية في اليمن ككل. لكن هذا الدور لا يمكن أن يتحقق إلا في إطار من الاستقرار والثقة المتبادلة بين مختلف مكونات المجتمع الحضرمي والوطني.

الاستثمار في نجاح النموذج الحضرمي لتحقيق الاستقرار الإقليمي يتطلب دعماً خارجياً مدروساً ومسؤولاً. فبدلاً من التنافس الإقليمي المدمر الذي شهدته المحافظة مؤخراً، يمكن للدول المجاورة والمجتمع الدولي أن يدعم الحلول المحلية ويساعد في تعزيز الاستقرار دون فرض أجندات خارجية. هذا النهج سيخدم المصالح الإقليمية طويلة المدى ويساهم في خلق نموذج للاستقرار يمكن تطبيقه في مناطق أخرى تشهد صراعات مشابهة.

حضرموت اليوم تقف على مفترق طرق مصيري. إما أن تسمح للتوترات الراهنة بأن تتفاقم وتحولها إلى بؤرة صراع جديدة، أو أن تستفيد من حكمتها التاريخية وقدرتها على التعايش لتقدم للعالم نموذجاً فريداً في تحويل أزمات الثقة إلى فرص للوحدة والتماسك. الخيار الثاني ليس مجرد أمل، بل ضرورة وطنية وإقليمية. فنجاح حضرموت في تجاوز محنتها الحالية سيؤكد أن الحلول الحقيقية للنزاعات تكمن في الحكمة المحلية والتراث الثقافي العريق، وأن الوحدة في التنوع ليست مجرد شعار، بل نهج حياة قابل للتطبيق والنجاح. هذا هو التحدي والفرصة اللذان ينتظران حضرموت وأبناءها الآن.

آخر الأخبار

عاجل: بنكان في عدن يبدآن صرف مرتبات متراكمة لآلاف الموظفين - العمالقة وثلاث محافظات تستلم أموالها!

عاجل: بنكان في عدن يبدآن صرف مرتبات متراكمة لآلاف الموظفين - العمالقة وثلاث محافظات تستلم أموالها!

فريق التحرير منذ أسبوع
عاجل: أهالي عدن بدون كهرباء 14 ساعة يومياً... والسبب صادم يتعلق بتهريب النفط!

عاجل: أهالي عدن بدون كهرباء 14 ساعة يومياً... والسبب صادم يتعلق بتهريب النفط!

فريق التحرير منذ أسبوع