في أجواء متوترة غير مسبوقة داخل مجلس القيادة الرئاسي اليمني، وجه عضو المجلس فرج سالمين البحسني تهديداً صريحاً باتخاذ قرارات أحادية بشأن محافظة حضرموت، متهماً رئيس المجلس رشاد العليمي بتجميد القرارات المتفق عليها. هذا التصعيد، الذي جاء عبر منصة فيسبوك، يضع اليمن أمام منعطف خطير قد يحدد مسار الاستقرار في إحدى أهم محافظاته الاستراتيجية خلال الساعات الـ72 القادمة.
خارطة التوترات الحالية: ما الذي أوصلنا لنقطة التهديد بالقرارات الأحادية؟
يكشف التصعيد الأخير في لهجة البحسني عن تراكمات عميقة داخل مجلس القيادة الرئاسي، حيث اتهم رئيس المجلس رشاد العليمي بـ"تعمد تجميد كافة القرارات المتعلقة بحضرموت" رغم إقرارها بالإجماع. هذا الاتهام المباشر، الذي وصفه البحسني بأنه "مخالفة دستورية وعبثاً سياسياً"، يشير إلى أن الأزمة تجاوزت مرحلة الخلافات الإجرائية إلى صراع حول الصلاحيات والنفوذ.
البحسني، الذي يشغل أيضاً منصب نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، ربط تدهور الأوضاع الأمنية والخدمية في حضرموت بهذا التجميد المتعمد للقرارات. وفق تصريحاته، فإن المحافظة تشهد "تصعيداً أمنياً وأعمالاً مخلة بالاستقرار، وتفاقماً مستمراً في الأزمات" نتيجة لهذا التعطيل، مما يضع المسؤولية الأولى على عاتق رئاسة المجلس.
الأهمية الاستراتيجية لحضرموت كأكبر محافظات اليمن مساحة وأغناها بالموارد النفطية والغازية، تضفي بُعداً جيوسياسياً على هذا الصراع. فالمحافظة ليست مجرد وحدة إدارية، بل قلب الاقتصاد اليمني والبوابة الشرقية للبلاد، مما يجعل أي اضطراب فيها يهدد الاستقرار الوطني برمته. دور البحسني المزدوج كعضو في مجلس القيادة ونائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي يضفي تعقيداً إضافياً على الأزمة، حيث يمثل تقاطعاً بين السلطة المركزية والمطالب الجهوية.
السيناريو الأول: تصعيد الأزمة - إذا نفذ البحسني تهديده بالقرارات الأحادية
في حال أقدم البحسني على تنفيذ تهديده باتخاذ قرارات أحادية "بالتشاور مع إخواننا أعضاء المجلس"، فإن اليمن قد يواجه أزمة دستورية غير مسبوقة. هذه الخطوة ستضع مجلس القيادة الرئاسي أمام اختبار وجودي حقيقي، حيث ستثير تساؤلات جوهرية حول شرعية القرارات المتخذة خارج الآليات المتفق عليها ومدى قدرة المؤسسة على الحفاظ على وحدتها.
الخطوات العملية لتنفيذ القرارات الأحادية قد تتضمن إعادة هيكلة القوات الأمنية والعسكرية في حضرموت، وتعيينات جديدة في المناصب الحساسة، وإجراءات خاصة بإدارة الموارد النفطية والغازية. هذه الإجراءات، رغم كونها تهدف ظاهرياً لـ"تطبيع الأوضاع"، قد تؤدي إلى صدام مباشر مع السلطات المركزية وتفاقم حالة عدم الاستقرار.
ردود الأفعال المتوقعة من رئاسة المجلس والحكومة قد تتراوح بين الإدانة الشديدة واتخاذ إجراءات مضادة، مما يخلق حالة من التجاذب المؤسسي المدمر. هذا التصعيد سيؤثر حتماً على الوضع الأمني في المحافظة، حيث قد تنقسم القوات بين الولاء للقرارات المركزية والقرارات الأحادية، مما يفتح الباب أمام فوضى أمنية لا يمكن التنبؤ بعواقبها. كما أن الانعكاسات على العلاقة بين المركز والمجلس الانتقالي الجنوبي ستكون عميقة وطويلة المدى، وقد تؤدي إلى انهيار آلية التوافق التي تم بناؤها بشق الأنفس خلال السنوات الماضية.
السيناريو الثاني: التراجع والحوار - إذا تم احتواء الأزمة عبر التفاوض
الخيار الثاني والأكثر حكمة يتمثل في تدخل أعضاء مجلس القيادة الآخرين لاحتواء التصعيد وفتح قنوات حوار مباشرة بين البحسني والعليمي. هذا التدخل، الذي دعا إليه البحسني نفسه عندما طالب الأعضاء بـ"تحمل مسؤولياتهم الوطنية والأخلاقية"، قد يوفر مخرجاً مشرفاً لجميع الأطراف دون المساس بهيبة المؤسسات.
شروط البحسني للتراجع عن التهديد تبدو واضحة: تفعيل القرارات التي أقرها المجلس سابقاً واتخاذ خطوات عملية لإعادة تطبيع الأوضاع في حضرموت. هذا يتطلب من رئاسة المجلس إظهار مرونة واستعداد للتنازل عن بعض المواقف التي قد تكون أدت إلى تجميد تلك القرارات في المقام الأول. الإصلاحات المؤسسية المطلوبة لتجنب تكرار الأزمة تشمل وضع آليات واضحة لمتابعة تنفيذ القرارات وتحديد مسؤوليات كل طرف بشكل لا يقبل التأويل.
دور القوى الخارجية، خاصة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، سيكون محورياً في هذا السيناريو. فهاتان الدولتان، اللتان أشاد البحسني بدورهما في دعم استقرار حضرموت، تمتلكان النفوذ والأدوات اللازمة لممارسة ضغط إيجابي على جميع الأطراف للتوصل إلى تسوية. تجربتهما في الوساطة بين الفرقاء اليمنيين خلال السنوات الماضية تؤهلهما للعب دور البناء في هذا الملف الحساس.
ما يعنيه هذا السيناريو للاستقرار طويل المدى هو إمكانية بناء نموذج حوكمة أكثر فعالية يراعي التوازن بين السلطة المركزية والخصوصيات الإقليمية. هذا النموذج، إذا نجح في حضرموت، قد يصبح قالباً لحل التحديات المشابهة في محافظات أخرى، مما يساهم في بناء دولة يمنية أكثر استقراراً وتماسكاً.
السيناريو الثالث: التجميد المؤقت - إذا دخلت الأزمة مرحلة الانتظار
السيناريو الثالث والأكثر تعقيداً هو أن تختار جميع الأطراف تأجيل المواجهة دون حسم نهائي، مما يدخل الملف في حالة من التعليق المؤقت. هذا الخيار قد يبدو مغرياً للأطراف التي تفضل تجنب التصادم المباشر، لكنه يحمل مخاطر كبيرة على المدى المتوسط والطويل. أسباب اختيار هذا التوجه قد تشمل عدم رغبة أي طرف في تحمل مسؤولية تفجير الأوضاع، أو انتظار تطورات إقليمية ودولية قد تؤثر على موازين القوى.
التكتيكات المحتملة لكل طرف خلال فترة التجميد ستركز على بناء التحالفات وتعزيز المواقف استعداداً لجولة مقبلة من المفاوضات أو المواجهة. البحسني قد يعمل على حشد الدعم الشعبي والقبلي في حضرموت، بينما قد تسعى رئاسة المجلس لتعزيز الدعم من الأطراف الدولية والإقليمية. هذا التنافس الصامت قد يؤدي إلى تصعيد متدرج دون وصول لنقطة الانفجار.
تأثير عدم الحسم على الخدمات والأمن في حضرموت سيكون مدمراً، حيث ستبقى المشاكل الأساسية التي أثارها البحسني دون حل. المواطنون، الذين يحتاجون لخدمات أساسية وأمن مستقر، سيدفعون ثمن هذا التردد السياسي. النوافذ الزمنية لإعادة فتح الملف ستعتمد على تطورات خارجية أو ضغوط شعبية قد تجبر الأطراف على العودة لطاولة المفاوضات.
دليل الاستعداد: كيف تتأهب حضرموت لأي من السيناريوهات الثلاثة؟
المؤشرات المبكرة التي ستحدد أي سيناريو سيتحقق تشمل ردود الأفعال من أعضاء مجلس القيادة الآخرين خلال الـ24 ساعة القادمة، وطبيعة التصريحات الرسمية من رئاسة المجلس، ومستوى التحركات الدبلوماسية للوسطاء الإقليميين. كما أن مراقبة الحركة في القواعد العسكرية والأمنية في حضرموت ستوفر مؤشرات مهمة حول اتجاه الأحداث.
الخطوات العملية للمواطنين والمؤسسات المحلية تبدأ بتعزيز التنسيق مع السلطات المحلية والاستعداد لسيناريوهات مختلفة من انقطاع الخدمات أو تغيير الترتيبات الأمنية. المؤسسات الاقتصادية، خاصة في القطاع النفطي والغازي، تحتاج لوضع خطط طوارئ تضمن استمرارية العمليات رغم التقلبات السياسية. المجتمع المدني يجب أن يستعد للعب دور الوسيط والمهدئ لمنع انزلاق الأوضاع نحو العنف أو الفوضى.
دور المجتمع المدني في التخفيف من تداعيات أي سيناريو يتطلب تفعيل آليات الحوار المحلي وبناء جسور التواصل بين مختلف الفصائل والقوى السياسية. مؤسسات المجتمع المدني، بخبرتها في إدارة الأزمات، قادرة على توفير قنوات اتصال غير رسمية تساعد في تهدئة التوترات ومنع التصعيد. استراتيجيات الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي تشمل ضمان استمرار الخدمات الأساسية وحماية البنى التحتية الحيوية من أي تداعيات سلبية للأزمة السياسية.
أزمة حضرموت الحالية تمثل اختباراً حقيقياً لقدرة النظام السياسي اليمني على إدارة التوترات الداخلية دون الانزلاق نحو الفوضى. الساعات الـ72 القادمة ستحدد ما إذا كانت المؤسسات اليمنية قادرة على التطور والتكيف مع التحديات، أم أنها ستعود لدوامة الصراعات المدمرة. الحل يكمن في بناء نموذج حوكمة جديد يوازن بين الوحدة الوطنية والتنوع الجهوي، ويضع مصلحة المواطن في المقدمة. المطلوب الآن ليس فقط احتواء الأزمة الحالية، بل بناء آليات مستدامة لمنع تكرارها مستقبلاً.