الرئيسية أخبار جرائم القتل والاختطاف لماذا صرخة جرحى تعز تعني أن على كل يمني أن يطالب بحقوقهم الآن

لماذا صرخة جرحى تعز تعني أن على كل يمني أن يطالب بحقوقهم الآن

16 نوفمبر 2025
11:55 ص
حجم الخط:
لماذا صرخة جرحى تعز تعني أن على كل يمني أن يطالب بحقوقهم الآن

في لحظة تاريخية مشحونة بالألم والأمل، تجمع العشرات من جرحى الجيش والمقاومة أمام مقر محافظة تعز، ليس للاحتفال بانتصار، بل للمطالبة بحقوق أساسية طال انتظارها. هؤلاء الرجال الذين ضحوا بأجسادهم من أجل الوطن، يقفون اليوم في صراع آخر، صراع من أجل الكرامة والعدالة. صرختهم لا تتعلق فقط بهم، بل تكشف حقيقة مؤلمة عن مسؤوليتنا الجماعية كيمنيين تجاه من دفعوا الثمن الأغلى من أجل حماية هذا الوطن.

الصرخة التي لا يمكن تجاهلها: لحظة الحقيقة أمام مقر المحافظة

عندما أعلن جرحى تعز عن اعتصامهم المفتوح، لم تكن مجرد وقفة احتجاجية أخرى تضاف إلى سجل الشكاوى اليمنية. كانت لحظة فارقة تكشف عن أزمة أعمق في نسيج المجتمع اليمني. هؤلاء الرجال الذين فقدوا أطرافهم وأجزاء من أجسادهم في ساحات المعركة، يجدون أنفسهم اليوم في معركة أخرى - معركة البقاء والكرامة الإنسانية.

المشاهد الصادمة التي شهدتها الاحتجاجات، حين أشعل بعض الجرحى النار في أطرافهم الصناعية، لم تكن مجرد تعبير عن اليأس، بل صرخة قوية تقول: "نحن موجودون، نحن نعاني، ولا يمكنكم تجاهلنا أكثر من ذلك". هذه اللحظات تحمل رسالة عميقة لكل يمني: أن تجاهل معاناة هؤلاء الأبطال ليس مجرد إهمال إداري، بل خيانة للقيم التي يفترض أن نقوم عليها كمجتمع.

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: لماذا الآن؟ لماذا وصل الأمر إلى هذه النقطة؟ الإجابة تكمن في سنوات من الوعود المكسورة، والتوجيهات الرئاسية غير المنفذة، والمطالب المشروعة التي تحولت إلى صدى يتردد في أروقة المكاتب الحكومية دون أن يجد آذاناً صاغية أو أيادي منفذة.

خلف الأرقام: قصص حقيقية لأبطال منسيين

خلف رقم "خمسة أشهر" المتكرر في مطالب الجرحى، تكمن قصص إنسانية مؤلمة لا تحصى. تخيل جريحاً فقد ساقه في إحدى المعارك، يجلس في بيته الآن منذ خمسة أشهر دون راتب، يشاهد زوجته وأطفاله وهم يواجهون صعوبات الحياة اليومية بينما هو عاجز عن توفير أبسط احتياجاتهم. هذا ليس مجرد رقم في ملف حكومي، بل مأساة إنسانية حقيقية تتكرر في مئات البيوت اليمنية.

القصة الأكثر إيلاماً تتمثل في التناقض الصارخ بين الوعود والواقع. ففي حين وجه رئيس المجلس الرئاسي بصرف مبلغ 100 مليون ريال للجرحى، وأقر رئيس مجلس الوزراء هذا المبلغ بحضور المحافظ، إلا أن هذا المال لم يصل إلى مستحقيه. هذا التناقض يكشف عن خلل عميق في آليات التنفيذ، وربما في الإرادة السياسية الحقيقية لحل مشاكل هؤلاء الأبطال.

الأمر لا يتوقف عند الرواتب المتأخرة، بل يمتد إلى معاناة أكبر. هناك جرحى ينتظرون منذ سنوات إكمال علاجهم خارج البلاد، وآخرون عالقون في الخارج دون دعم مالي أو رعاية كافية. هناك من يحتاجون إلى أطراف صناعية جديدة، وآخرون يعيشون آلاماً جسدية مستمرة دون علاج مناسب. كل هذه التفاصيل تتحول من أرقام في التقارير إلى واقع يومي مؤلم عندما ندرك أن خلف كل حالة إنسان بذل دمه وجسده من أجل حماية هذا الوطن.

الأكثر مرارة أن هؤلاء الجرحى تحولوا من وعود التكريم والاحترام إلى خيبات أمل متتالية. بدأت رحلتهم بتضحيات جسام في ساحات المعركة، وتستمر اليوم في قاعات الانتظار والمكاتب الحكومية، حيث يصطدمون بجدران البيروقراطية وعدم الاكتراث.

ماذا يعني إهمال الجرحى عن هويتنا كيمنيين؟

إن كيفية تعامل أي مجتمع مع محاربيه القدماء وجرحى حروبه ليس مجرد مسألة إدارية أو مالية، بل مرآة تعكس قيم هذا المجتمع وهويته الأخلاقية. عندما نفشل في رعاية من ضحوا من أجلنا، فإننا لا نخذلهم فقط، بل نخذل أنفسنا ونقوض الأسس التي يجب أن نقوم عليها كمجتمع يحترم التضحية والوفاء.

هناك تساؤل جوهري يطرح نفسه: أي رسالة نرسلها للمدافعين الحاليين عن الوطن عندما يرون كيف نعامل جرحى الأمس؟ كيف يمكن أن نتوقع من الجنود والمقاتلين أن يقدموا أفضل ما لديهم وهم يشاهدون إخوانهم الجرحى وهم يعانون الإهمال والنسيان؟ هذا التجاهل لا يضر بالجرحى فقط، بل يقوض معنويات القوات المسلحة بأكملها ويضعف الثقة في المؤسسات.

التأثير يمتد أيضاً إلى النسيج الاجتماعي الأوسع. عندما يشاهد المواطن العادي كيف تتم معاملة الأبطال، فإن ثقته في العدالة الاجتماعية تتآكل تدريجياً. يبدأ في التشكيك في جدوى التضحية من أجل الصالح العام، وينتشر مفهوم خاطئ مفاده أن الأنانية والاهتمام بالمصلحة الشخصية أفضل من خدمة الوطن.

الأخطر من ذلك أن إهمال قضايا الجرحى يطرح سؤالاً عميقاً حول نوع الدولة التي نسعى لبنائها. هل نريد دولة تكرم أبطالها وترعى من ضحوا من أجلها، أم دولة تستنزف طاقات مواطنيها ثم تتركهم لمواجهة مصيرهم وحدهم؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد هويتنا كشعب وكدولة للأجيال القادمة.

الطريق إلى الكرامة: ما يمكن لكل يمني فعله اليوم

الحل لهذه المأساة ليس مسؤولية الحكومة وحدها، بل مسؤولية جماعية تتطلب تضافر جهود جميع فئات المجتمع. هناك إجراءات فورية يمكن اتخاذها لضمان حصول الجرحى على حقوقهم المشروعة، وهناك خطوات طويلة المدى لضمان عدم تكرار هذه المأساة.

على المستوى الحكومي، المطلوب فوري وواضح: تنفيذ التوجيهات الرئاسية بصرف مبلغ الـ100 مليون المخصص للجرحى، وصرف الرواتب المتأخرة لخمسة أشهر دون تأخير إضافي. كما يجب تفعيل آليات تسفير الجرحى المحتاجين للعلاج خارج البلاد واستكمال علاج العالقين منهم. هذه ليست مطالب تفاوضية، بل التزامات أخلاقية وقانونية واجبة التنفيذ.

لكن دور المجتمع المدني والإعلام لا يقل أهمية. يجب تسليط الضوء المستمر على قضايا الجرحى، ليس من باب الشفقة، بل من منطلق العدالة والحق. المطلوب حملات إعلامية منظمة تكشف تفاصيل معاناة الجرحى وتضع الجهات المسؤولة تحت ضغط الرأي العام. كما يمكن للمنظمات المجتمعية تنظيم مبادرات لدعم الجرحى مالياً ومعنوياً حتى تتحرك الجهات الرسمية.

على مستوى المواطن العادي، يمكن المساهمة من خلال المشاركة في الحملات التضامنية، والضغط على النواب والمسؤولين المحليين، والمساهمة في الدعم المالي أو العيني للجرحى المحتاجين. الأهم من ذلك، يجب رفض ثقافة النسيان والتجاهل، والتأكيد المستمر على أن كرامة الجرحى جزء لا يتجزأ من كرامة الوطن.

مستقبل الوفاء: عندما تصبح كرامة الجرحى مقياساً للنهضة

تخيل يمناً يحتفي بجرحاه ويرعاهم بالطريقة التي يستحقونها. تخيل دولة تعتبر رعاية المحاربين القدماء أولوية قصوى، ليس فقط كالتزام أخلاقي، بل كاستثمار في المستقبل. هذا ليس حلماً مستحيلاً، بل هدف قابل للتحقيق إذا توفرت الإرادة والتخطيط السليم.

النجاح في معالجة قضية الجرحى سيكون له تأثير إيجابي يتجاوز هذه الشريحة بكثير. سيعزز الثقة في مؤسسات الدولة، ويرفع معنويات القوات المسلحة، ويؤكد للمواطنين أن دولتهم تقدر التضحيات وتكافئ الوفاء. هذا سيخلق دورة إيجابية من الثقة والانتماء تساهم في تعزيز الاستقرار والتماسك الاجتماعي.

المطلوب ليس فقط حل المشاكل الحالية، بل إرساء نظام متكامل لرعاية الجرحى يضمن حقوقهم ويكرم تضحياتهم. هذا يشمل إنشاء صندوق دائم لرعاية الجرحى، وتطوير برامج تأهيل مهني تمكنهم من الاندماج في سوق العمل، وضمان حصولهم على أفضل الخدمات الطبية والنفسية.

كرامة الجرحى يجب أن تصبح مقياساً لتقدم اليمن ونهضته. فالدول لا تُقاس بثرواتها فقط، بل بكيفية معاملتها لأضعف مواطنيها وأكثرهم حاجة. وإذا كنا نريد يمناً جديداً قائماً على العدالة والكرامة، فإن البداية الصحيحة تكون برعاية من دفعوا الثمن الأغلى من أجل هذا الوطن.

صرخة جرحى تعز ليست مجرد مطالبة بحقوق مالية، بل دعوة للضمير الوطني للاستيقاظ. إنها تذكير بأن بناء اليمن الجديد لا يمكن أن يتم على أنقاض كرامة أبطائه. الوقت الآن ليس للوعود أو التسويف، بل للعمل الفوري والجاد. فكل يوم تأخير في تنفيذ مطالب الجرحى العادلة هو يوم إضافي من الألم والمعاناة لمن يستحقون منا الاحترام والتقدير والعرفان. والسؤال الذي يطرح نفسه على كل يمني اليوم: هل سنكون شركاء في الحل، أم سنبقى متفرجين على مأساة من ضحوا من أجلنا؟

آخر الأخبار

عاجل: بنكان في عدن يبدآن صرف مرتبات متراكمة لآلاف الموظفين - العمالقة وثلاث محافظات تستلم أموالها!

عاجل: بنكان في عدن يبدآن صرف مرتبات متراكمة لآلاف الموظفين - العمالقة وثلاث محافظات تستلم أموالها!

فريق التحرير منذ أسبوع
عاجل: أهالي عدن بدون كهرباء 14 ساعة يومياً... والسبب صادم يتعلق بتهريب النفط!

عاجل: أهالي عدن بدون كهرباء 14 ساعة يومياً... والسبب صادم يتعلق بتهريب النفط!

فريق التحرير منذ أسبوع