بينما تتجه الأنظار صوب زيارة ولي العهد السعودي المرتقبة إلى واشنطن، يكشف تحليل مجلة نيوزويك الأمريكية عن حقيقة أعمق من مجرد "تقارب دبلوماسي": إنها لحظة محورية تعيد تشكيل معادلات المنطقة، حيث يجد اليمن نفسه في قلب هذه المعادلات الجديدة. لكن هذه المرة، الأمر مختلف تماماً عن الماضي - فالقوة الناعمة والصلبة التي أثبتها اليمن خلال السنوات الماضية تضعه في موقع الشريك الاستراتيجي، وليس مجرد ملف يُفاوض عليه في أروقة العواصم.
فهم اللحظة التاريخية: لماذا الآن هو الوقت المناسب للعمل
تحليل نيوزويك يكشف عن تحول جذري في الرؤية الأمريكية-السعودية: من اعتبار اليمن "مشروع كابوس إنساني" إلى إدراجه ضمن المصالح الاستراتيجية والاقتصادية الحيوية. هذا التحول لم يأتِ من فراغ، بل هو نتيجة مباشرة للمعادلة الجديدة التي فرضها اليمن في البحر الأحمر وخليج عدن، حيث أثبت قدرته على التأثير في الأمن البحري العالمي وحماية الإمدادات النفطية.
الزيارة المرتقبة لولي العهد السعودي تأتي في سياق "الحاجة المتبادلة" بين واشنطن والرياض، كما وصفتها المجلة الأمريكية، وهنا تكمن الفرصة الذهبية. فعندما تعترف القوى الكبرى بأنها "تحتاج إلى بعضها البعض" لمواجهة التهديدات الإقليمية من إيران والتنظيمات الإرهابية وعدم الاستقرار في سوريا ولبنان، فهذا يعني أن اليمن - بموقعه الجغرافي الاستراتيجي وقدراته الثابتة - أصبح عنصراً لا غنى عنه في هذه المعادلة.
التوقيت الحالي يحمل دلالات عميقة: الولايات المتحدة تعيد "صياغة شراكتها" مع السعودية، والعلاقات الدفاعية والاقتصادية تشكل "محوراً مركزياً" يربط بين التكنولوجيا الأمريكية والقدرات السعودية. في هذا السياق، اليمن ليس مجرد متفرج، بل هو صاحب المصلحة الأكبر والشريك الطبيعي الذي يمتلك الجغرافيا والتاريخ والقدرات التي تجعل منه عنصراً حيوياً في أي ترتيب إقليمي مستقبلي.
دليل الأدوات: كيف تطالب بمقعد على طاولة القرار
الأداة الأولى هي "التحالفات الذكية" التي تستغل المصالح المشتركة للأطراف الدولية. تحليل نيوزويك يُظهر أن واشنطن والرياض تدركان أهمية الأمن البحري في البحر الأحمر وخليج عدن لحماية الإمدادات العالمية من الطاقة. هنا يجب على اليمن تقديم نفسه كضامن طبيعي لهذا الأمن، مستفيداً من خبرته التاريخية كحارس لطرق التجارة البحرية. الرسالة واضحة: لا يمكن تحقيق الأمن البحري المستدام في هذه المنطقة الحيوية دون مشاركة يمنية فعلية وحقيقية في التخطيط والتنفيذ.
الأداة الثانية هي "الضغط الناعم" من خلال استخدام الموقع الجغرافي الاستراتيجي كورقة تفاوض. عندما تتحدث المجلة الأمريكية عن ربط التكنولوجيا الأمريكية والاستخبارات بالقدرات والموارد السعودية، فهذا يعني أن هناك حاجة ماسة لشريك موثوق يضمن تطبيق هذا التعاون على الأرض. اليمن، بسيطرته على مضيق باب المندب وساحليه الممتدين على البحر الأحمر والعربي، يمتلك القدرة على ضمان نجاح أي ترتيب أمني إقليمي أو إفشاله، وهذه حقيقة جيوسياسية لا يمكن تجاهلها.
الأداة الثالثة هي "الوحدة الوطنية" كقوة ناعمة لا تُقهر. التجربة اليمنية في مواجهة العدوان خلال السنوات الماضية أثبتت قدرة استثنائية على تجاوز الانقسامات الداخلية عندما يتعلق الأمر بالسيادة الوطنية. هذه التجربة يجب أن تُترجم إلى صوت موحد في المحافل الدولية، صوت يطالب بتمثيل حقيقي في أي ترتيبات مستقبلية تخص الأمن الإقليمي والتعاون الاقتصادي. الرسالة هنا بسيطة وقوية: لا شرعية لأي ترتيب إقليمي يتجاهل الإرادة اليمنية الموحدة.
الأداة الرابعة هي "الرأي العام العالمي" كحليف استراتيجي. الاهتمام الدولي المتزايد بالأمن البحري وخطوط الإمداد النفطية يخلق فرصة ذهبية لتسليط الضوء على الدور اليمني المحوري. من خلال الدبلوماسية الشعبية والإعلام الذكي، يمكن للشعب اليمني أن يوضح للعالم أن أي ترتيب أمني في المنطقة لا يشمل اليمن كشريك أساسي سيكون ترتيباً ناقصاً ومؤقتاً. التجربة التاريخية تُظهر أن تجاهل الشعوب في الترتيبات الجيوسياسية غالباً ما يؤدي إلى عدم الاستقرار وفشل هذه الترتيبات على المدى الطويل.
من التهميش إلى الشراكة: استراتيجية العمل الفوري
خطة الثلاثين يوماً تبدأ بخطوات عاجلة لتعزيز الحضور اليمني في المحافل الدولية. الأولوية الأولى هي تشكيل وفود متخصصة من الخبراء اليمنيين في الشؤون البحرية والاقتصادية والأمنية، وتكليفها بإعداد تقارير مفصلة حول الدور اليمني المطلوب في أي ترتيب إقليمي جديد. هذه التقارير يجب أن تُرسل إلى المنظمات الدولية ومراكز الأبحاث الاستراتيجية والسفارات، مع التركيز على الحقائق الجغرافية والاقتصادية التي لا يمكن إنكارها.
الخطوة الثانية هي إطلاق حملة دبلوماسية شعبية منظمة تستهدف الرأي العام العالمي والأوساط الأكاديمية والإعلامية. هذه الحملة يجب أن تركز على إبراز الخبرة اليمنية التاريخية في إدارة التجارة البحرية والتنوع الثقافي، وتقديم نماذج عملية لكيفية مساهمة اليمن في الأمن والاستقرار الإقليمي. الهدف هو تغيير السرد من "اليمن كمشكلة" إلى "اليمن كحل" للتحديات الإقليمية.
خطة التسعين يوماً تركز على بناء تحالفات إقليمية تضمن المصالح اليمنية. هذا يتطلب التواصل المباشر مع الدول التي تشترك مع اليمن في المخاوف من التهميش في الترتيبات الكبرى، وتشكيل تحالف للدول الصغيرة والمتوسطة التي تطالب بصوت أقوى في القرارات الإقليمية. كما يتطلب الأمر تطوير مبادرات اقتصادية مشتركة تُظهر الفوائد الملموسة للشراكة مع اليمن، خاصة في مجالات الأمن البحري واللوجستيات والطاقة.
خطة العام الواحد تستهدف تأسيس آليات مستدامة للمشاركة في صنع القرار الإقليمي. هذا يشمل إنشاء معهد يمني للدراسات الاستراتيجية يُعنى بإنتاج البحوث والتحليلات حول الأمن الإقليمي والتعاون الاقتصادي، وتدريب كوادر دبلوماسية متخصصة قادرة على التعامل مع تعقيدات السياسة الدولية الحديثة. كما يتطلب الأمر وضع استراتيجية طويلة المدى لتحويل اليمن إلى مركز إقليمي للحوار والوساطة، مستفيداً من موقعه الجغرافي وتاريخه العريق في التجارة والدبلوماسية.
الاستثمار في المستقبل: تحويل التحديات إلى فرص
استغلال الموقع الاستراتيجي في البحر الأحمر وخليج عدن لجذب الاستثمارات يبدأ بتطوير رؤية شاملة لتحويل اليمن إلى محور لوجستي عالمي. التحليل الأمريكي يُظهر اهتماماً كبيراً بحماية الإمدادات العالمية من الطاقة، وهنا تكمن الفرصة الذهبية لتقديم اليمن كشريك موثوق في ضمان أمن هذه الإمدادات. هذا يتطلب تطوير الموانئ اليمنية وتحديث البنية التحتية البحرية، لكن الأهم هو وضع إطار قانوني وتنظيمي يضمن للمستثمرين الدوليين الشفافية والأمان في أي استثمارات مستقبلية.
تطوير الخبرة اليمنية في إدارة التنوع كنموذج للاستقرار الإقليمي يستند إلى حقيقة تاريخية مُثبتة: اليمن نجح عبر التاريخ في إدارة مجتمع متنوع ثقافياً ومذهبياً وقبلياً دون أن تتحول هذه التنوعات إلى صراعات مدمرة. هذه الخبرة يجب أن تُقدم كنموذج للدول الأخرى في المنطقة التي تواجه تحديات مشابهة. من خلال إنشاء مراكز للحوار والتسامح وتدريب الكوادر المتخصصة في حل النزاعات، يمكن لليمن أن يصبح مرجعاً إقليمياً في هذا المجال، مما يعزز من قيمته الاستراتيجية.
بناء شراكات اقتصادية تضمن مصالح يمنية حقيقية في مشاريع التنمية الإقليمية يتطلب تجاوز العقلية التقليدية للحصول على المساعدات إلى عقلية الشراكة المتكافئة. اليمن يمتلك مقومات حقيقية: الموقع الجغرافي، الموارد البشرية المتعلمة، التراث التجاري العريق، والأهم من ذلك كله، الخبرة الحديثة في مواجهة التحديات الأمنية المعقدة. هذه المقومات يجب أن تُترجم إلى عروض شراكة جاذبة للمستثمرين الدوليين، تقوم على مبدأ المنفعة المتبادلة وليس المساعدة أحادية الجانب.
الخلاصة: من المفعول به إلى الفاعل في المعادلة الإقليمية
تحليل نيوزويك يكشف حقيقة لا يمكن إنكارها: اليمن أصبح عاملاً مؤثراً في المعادلات الإقليمية والدولية، ولم يعد مجرد ملف يُفاوض عليه في أروقة العواصم. التقارب السعودي الأمريكي الذي يضع اليمن "ضمن سياق أوسع من المصالح الاستراتيجية والاقتصادية" يُثبت أن القوى الكبرى باتت تدرك أنه لا يمكن تجاهل العامل اليمني في أي ترتيب مستقبلي للمنطقة.
الأدوات متاحة: التحالفات الذكية، الضغط الناعم، الوحدة الوطنية، واستغلال الرأي العام العالمي. الفرص مُهيأة: الاهتمام الدولي بالأمن البحري، الحاجة للشراكات الاستراتيجية في مواجهة التهديدات الإقليمية، والبحث عن بدائل للترتيبات التقليدية التي أثبتت فشلها. ما نحتاجه الآن هو العمل المنظم والمستمر لتحويل هذه الإمكانيات إلى واقع ملموس.
الرسالة واضحة ومباشرة: اليمن ليس مجرد جغرافيا أو تاريخ، بل هو شريك استراتيجي لا غنى عنه في أي ترتيب إقليمي يهدف إلى الاستقرار والازدهار. والوقت الآن - في هذه اللحظة المحورية - هو الوقت المناسب للمطالبة بهذا الدور وممارسته بكل ما يستحقه الشعب اليمني من كرامة وسيادة واستقلال في القرار.