الرئيسية أخبار جرائم القتل والاختطاف الخريطة السرية: لماذا تستهدف 3 قوى إقليمية أكبر محافظة يمنية في آن واحد؟

الخريطة السرية: لماذا تستهدف 3 قوى إقليمية أكبر محافظة يمنية في آن واحد؟

15 نوفمبر 2025
08:05 م
حجم الخط:
الخريطة السرية: لماذا تستهدف 3 قوى إقليمية أكبر محافظة يمنية في آن واحد؟

في ساعات قليلة، تحولت محافظة حضرموت من واحة استقرار نسبي إلى ساحة تنافس إقليمي مكشوف، حيث تصارعت ثلاث قوى على السيطرة على أكبر محافظة يمنية في التوقيت ذاته. ما بدأ كتحذير من حلف قبائل حضرموت ضد قوات مدعومة إماراتياً، كشف عن خريطة معقدة من المصالح الخفية والرهانات الاستراتيجية التي تجعل من هذه المحافظة النائية جغرافياً، قلب معادلة القوة في المنطقة كلها.

الجائزة الكبرى: لماذا حضرموت تحديداً؟

تمتد محافظة حضرموت على مساحة تزيد عن 193 ألف كيلومتر مربع، مما يجعلها أكبر محافظة يمنية من حيث المساحة وتشكل نحو 36% من إجمالي مساحة اليمن. لكن الجغرافيا وحدها لا تفسر هذا التنافس المحموم. فالمحافظة تضم أهم حقول النفط اليمنية في هضبة الجوف ومأسيلة، وتحتضن موانئ استراتيجية مثل المكلا والشحر التي تشكل بوابات حيوية للتجارة الإقليمية والدولية.

ما يجعل التوقيت حرجاً بشكل خاص هو التطور النوعي في طبيعة الصراع. فبعد أشهر من التحركات الصامتة والترتيبات خلف الكواليس، شهدت الأيام الأخيرة تشكيل حلف القبائل لـ"قوات حماية حضرموت" كقوة عسكرية منظمة، مما أدخل عامل جديد في معادلة توازن القوى. هذا التطور لا يعكس فقط تطور النزاع المحلي، بل يشير إلى تحول استراتيجي في طريقة إدارة النفوذ الإقليمي في اليمن.

الأرقام تتحدث بوضوح عن حجم ما هو على المحك. فحقول النفط في حضرموت تنتج نحو 80% من إجمالي الإنتاج النفطي اليمني، بينما تمر عبر موانئها نحو 40% من التجارة اليمنية مع العالم الخارجي. هذه النسب تجعل من السيطرة على حضرموت مفتاحاً لأي مشروع إقليمي يهدف للهيمنة على اقتصاد اليمن ومستقبله السياسي.

اللاعبون الثلاثة: خرائط النفوذ المتداخلة

تكشف التحركات الأخيرة عن تنافس ثلاثي الأبعاد بين قوى إقليمية تستخدم أدوات محلية لتحقيق أهدافها الاستراتيجية. الإمارات تعتمد على قوات الدعم الأمني و"النخبة الحضرمية" لتأمين سيطرتها على الموانئ والمنافذ البحرية، في إطار استراتيجيتها الأوسع لضمان أمن طرق التجارة البحرية وتعزيز نفوذها في المحيط الهندي.

من جهتها، تراهن المملكة العربية السعودية على تحالفها مع القوى القبلية التقليدية، خاصة من خلال علاقتها المتينة مع حلف قبائل حضرموت والمنطقة العسكرية الأولى المحسوبة على الحكومة المعترف بها دولياً. هذا التحالف يهدف إلى ضمان أمن الحدود الجنوبية للمملكة والسيطرة على طرق إمداد الطاقة التي تمر عبر الأراضي اليمنية.

أما عُمان، فتلعب دوراً أكثر دهاءً ونعومة، حيث تركز على بناء جسور دبلوماسية وتجارية مع جميع الأطراف، مستغلة موقعها الجغرافي المتاخم لحضرموت وعلاقاتها التاريخية مع قبائل المنطقة الشرقية. الاستراتيجية العُمانية تهدف إلى ضمان عدم انقطاع طرق التجارة وتجنب أي تصعيد قد يؤثر على مصالحها الاقتصادية الحيوية.

هذا التداخل في المصالح خلق شبكة معقدة من التحالفات والتنافس، حيث كل طرف يسعى لتعظيم نفوذه دون الدخول في مواجهة مباشرة مع الآخرين. لكن الأحداث الأخيرة تشير إلى أن هذا التوازن الهش بدأ في التصدع، مما ينذر بمرحلة جديدة من التنافس المكشوف.

المقاومة المحلية: من القبيلة إلى الدولة المصغرة

ما يجعل المشهد في حضرموت أكثر تعقيداً هو التطور النوعي في طبيعة المقاومة المحلية. حلف قبائل حضرموت، الذي بدأ كتحالف تقليدي للدفاع عن المصالح القبلية، تطور إلى كيان سياسي-عسكري منظم يتطلع إلى لعب دور الدولة المصغرة. تشكيل "قوات حماية حضرموت" ليس مجرد خطوة دفاعية، بل إعلان عن نية الانتقال من مرحلة المطالبة بالحقوق إلى مرحلة فرض الواقع بالقوة.

أحداث غيل بن يمين التي أشعلت التوترات الحالية، تكشف عن تحول جوهري في استراتيجية الحلف. اتهام قوات الدعم الأمني بإطلاق النار على مواطنين وإصابة ثلاثة منهم واعتقال آخرين، يعكس تصاعداً في مستوى المواجهة من التحذيرات الكلامية إلى الاشتباك المسلح المباشر. هذا التصعيد ليس عفوياً، بل يأتي في سياق استراتيجية مدروسة لإجبار القوى الخارجية على التعامل مع الحلف كلاعب أساسي في أي تسوية مستقبلية.

البعد الشرعي يشكل محوراً مهماً في خطاب الحلف، حيث يرفض التعامل مع القوات الخارجية بحجة افتقارها للصفة الدستورية. هذا الموقف لا يعكس فقط موقفاً قانونياً، بل استراتيجية سياسية تهدف لكسب الشرعية الشعبية وتعزيز الهوية المحلية في مواجهة ما يُوصف بـ"التدخل الخارجي". الخطاب الذي يؤكد أن معظم أفراد القوات المتدخلة "من خارج حضرموت"، يستهدف تعبئة المشاعر القبلية والوطنية ضد أي وجود عسكري لا ينتمي للمنطقة.

التمركز الاستراتيجي لقوات حماية حضرموت في محيط الشركات النفطية في هضبة حضرموت، يؤكد أن الحلف لا يكتفي بالخطاب السياسي، بل يسعى للسيطرة على المواقع الاقتصادية الحيوية. هذا التموضع يرسل رسالة واضحة للقوى الإقليمية بأن أي ترتيبات مستقبلية في حضرموت يجب أن تمر عبر الحلف، وأن تجاهل مطالبه قد يؤدي إلى تعطيل الأنشطة الاقتصادية الحيوية.

معادلة الطاقة والتجارة: الرهانات الاقتصادية الخفية

خلف السرديات السياسية والأمنية، تختفي شبكة معقدة من المصالح الاقتصادية التي تفسر حقيقة الصراع على حضرموت. حقول النفط في هضبة حضرموت، خاصة حقلا مأسيلة والجوف، لا تشكل فقط مصدر دخل للحكومة اليمنية، بل تمثل أداة ضغط جيوسياسية قوية في منطقة تشهد تنافساً محتدماً على مصادر الطاقة.

الموانئ تلعب دوراً لا يقل أهمية عن حقول النفط. ميناء المكلا، على سبيل المثال، يشكل بوابة حيوية للتجارة بين آسيا وأفريقيا، بينما ميناء الشحر يوفر منفذاً استراتيجياً لصادرات النفط والغاز. السيطرة على هذه الموانئ تعني التحكم في طرق التجارة الإقليمية والقدرة على التأثير على أسعار الطاقة في الأسواق العالمية.

التأثير على أسعار الطاقة وأمن الإمدادات الخليجية يمتد إلى ما هو أبعد من الحدود اليمنية. أي عدم استقرار في حضرموت قد يؤثر على خطوط أنابيب النفط التي تمر عبر الأراضي اليمنية، وعلى أمن الملاحة في بحر العرب، مما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط عالمياً وتهديد أمن الطاقة لدول الخليج والعالم.

المخاطر الاقتصادية لعدم الاستقرار على الاستثمارات الإقليمية هائلة. الشركات النفطية الدولية التي تستثمر مليارات الدولارات في المنطقة، تراقب التطورات بقلق بالغ. أي تصعيد عسكري قد يؤدي إلى إيقاف الإنتاج وإجلاء الطواقم الأجنبية، مما يعني خسائر اقتصادية فادحة وتأثيراً سلبياً على الاستثمارات المستقبلية في القطاع النفطي اليمني.

سيناريوهات المستقبل: خريطة الطريق للاستقرار أو الفوضى

السيناريو الأول يقوم على التوصل لتفاهمات إقليمية حول تقاسم المصالح في حضرموت، بحيث تحصل كل قوة إقليمية على نصيبها دون إقصاء الآخرين. هذا السيناريو يتطلب تنازلات متبادلة واعترافاً بالمصالح المشروعة لجميع الأطراف، بما في ذلك القوى المحلية ممثلة في حلف القبائل. نجاح هذا النهج يعتمد على قدرة الأطراف على وضع المصالح الاقتصادية المشتركة فوق الطموحات الجيوسياسية.

السيناريو الثاني الأكثر قتامة يشهد تصعيد المواجهة العسكرية وتحول حضرموت إلى ساحة صراع مفتوح بين القوى الإقليمية. هذا السيناريو قد يؤدي إلى تقسيم فعلي للمحافظة، مع سيطرة كل طرف على منطقة نفوذ محددة، مما يهدد وحدة اليمن ويعقد أي حلول سياسية مستقبلية. تداعياته الإقليمية ستمتد لتشمل زعزعة الأمن في دول الجوار وتهديد الملاحة البحرية الدولية.

السيناريو الثالث، الأكثر تفاؤلاً، يعتمد على نجاح المقاومة المحلية في إجبار القوى الخارجية على الحوار والاعتراف بالخصوصية الحضرمية. هذا السيناريو يتطلب تطوير حلف القبائل لخطاب سياسي واضح وبناء تحالفات مع القوى المحلية الأخرى، بما يضمن تمثيلاً عادلاً لجميع مكونات المجتمع الحضرمي. نجاح هذا النهج قد يقدم نموذجاً يحتذى به في مناطق أخرى من اليمن.

الدروس المستفادة لباقي المناطق اليمنية والخليجية تشمل أهمية التوازن بين الطموحات الجيوسياسية والواقع المحلي، وضرورة إشراك القوى المحلية في أي ترتيبات مستقبلية. كما تؤكد على أن تجاهل الخصوصيات الثقافية والاجتماعية قد يؤدي إلى انتكاسات خطيرة حتى لو تحققت انتصارات تكتيكية مؤقتة.

التوصيات للحفاظ على الاستقرار الإقليمي تشمل ضرورة إقامة حوار شامل بين جميع الأطراف، وتطوير آليات لتقاسم عادل للموارد الطبيعية، وإنشاء صندوق تنمية إقليمي لحضرموت يضمن استفادة السكان المحليين من ثرواتهم الطبيعية. كما تتطلب تطوير اتفاقيات أمنية تضمن عدم استخدام الأراضي الحضرمية لأنشطة تهدد أمن دول الجوار، مع الاحترام الكامل للسيادة اليمنية.

في نهاية المطاف، ما يحدث في حضرموت اليوم ليس مجرد نزاع محلي حول السيطرة على منطقة جغرافية معينة، بل معركة مصيرية حول شكل المستقبل في المنطقة كلها. النتائج التي ستتمخض عن هذا الصراع ستحدد ليس فقط مصير اليمن، بل طبيعة التوازنات الجيوسياسية في الخليج والقرن الأفريقي لعقود قادمة. الخريطة السرية التي تكشفت اليوم في حضرموت، قد تكون مفتاح فهم اتجاه الرياح السياسية في المنطقة برمتها.

آخر الأخبار

عاجل: بنكان في عدن يبدآن صرف مرتبات متراكمة لآلاف الموظفين - العمالقة وثلاث محافظات تستلم أموالها!

عاجل: بنكان في عدن يبدآن صرف مرتبات متراكمة لآلاف الموظفين - العمالقة وثلاث محافظات تستلم أموالها!

فريق التحرير منذ أسبوع
عاجل: أهالي عدن بدون كهرباء 14 ساعة يومياً... والسبب صادم يتعلق بتهريب النفط!

عاجل: أهالي عدن بدون كهرباء 14 ساعة يومياً... والسبب صادم يتعلق بتهريب النفط!

فريق التحرير منذ أسبوع