الرئيسية أخبار جرائم القتل والاختطاف كيف حول شباب تعز مأساة افتهان إلى طاقة أمل تجمع اليمنيين؟

كيف حول شباب تعز مأساة افتهان إلى طاقة أمل تجمع اليمنيين؟

15 نوفمبر 2025
07:05 م
حجم الخط:
كيف حول شباب تعز مأساة افتهان إلى طاقة أمل تجمع اليمنيين؟

وسط صباح مشمس في مدينة تعز، تحولت شوارع المدينة إلى مسرح لقصة استثنائية عن قدرة الإنسان على تحويل الألم إلى أمل. عشرات من النساء والشباب اجتمعوا ليس فقط لممارسة الرياضة، بل ليرسموا خارطة طريق جديدة لكيفية التعامل مع المآسي. هذا المشهد ليس مجرد ماراثون عادي، بل تجسيد حي لقدرة المجتمع اليمني على تحويل صدمة فقدان الشهيدة افتهان المشهري إلى طاقة بناءة تجمع القلوب حول هدف واحد: ضمان عدم تكرار مثل هذه المأساة مرة أخرى.

من الصدمة إلى الصحوة: كيف بدأت الرحلة

قبل أسابيع قليلة، هزت جريمة اغتيال افتهان المشهري وسط مدينة تعز الرأي العام اليمني، وأثارت موجة غضب مجتمعي وحقوقي واسعة. لكن ما حدث بعدها كان أمراً مختلفاً تماماً عن ردود الأفعال المعتادة. بدلاً من الانغماس في دوامة الحزن واللوم، قرر تكتل وهج النسوي أن يحول هذه الطاقة العاطفية المؤلمة إلى قوة دافعة للتغيير الإيجابي.

شهادات المشاركين في الماراثون تكشف عن تحول نفسي عميق. تقول إحدى المشاركات: "عندما سمعت بالجريمة، شعرت بغضب شديد وعجز. لكن عندما علمت بالماراثون، أدركت أن هناك طريقة أخرى للتعبير عن مشاعري - طريقة تبني بدلاً من أن تهدم". هذا التحول من الغضب المدمر إلى العمل البناء يعكس نضجاً مجتمعياً ملفتاً، حيث استطاع الشباب والنساء في تعز أن يجدوا في الرياضة والفعل الجماعي مخرجاً صحياً لمشاعرهم.

دور تكتل وهج النسوي هنا لم يكن مجرد تنظيم فعالية رياضية، بل كان بمثابة حاضنة للتحويل العاطفي الإيجابي. من خلال إطلاق شعار "من هنا مرت افتهان"، نجح التكتل في إعادة تأطير الحدث المأساوي ليصبح نقطة انطلاق للأمل بدلاً من أن يبقى مجرد ذكرى مؤلمة. هذه العملية النفسية المعقدة تتطلب فهماً عميقاً لديناميكيات الحزن الجماعي وكيفية توجيهه نحو مسارات إيجابية.

خطوة بخطوة: ماراثون يرسم طريق الأمل

انطلق الماراثون من جولة الكهرباء متجهاً نحو جولة افتهان، وهو مسار محمل بالرمزية العميقة. هذا الطريق ليس مجرد مسافة جغرافية، بل رحلة رمزية من الظلام إلى النور، من المأساة إلى الأمل. كل خطوة يخطوها المشاركون تحمل معنى مضاعفاً: هي خطوة نحو اللياقة الجسدية، وخطوة نحو الشفاء النفسي، وخطوة نحو بناء مجتمع أكثر تماسكاً في مواجهة التحديات.

المشاهد التي رآها المشاركون أثناء الركض كانت بحد ذاتها دروساً في الحياة. شوارع تعز التي شهدت العديد من المآسي على مر السنين، تحولت في هذا الصباح إلى مسارات للأمل. الوجوه المتعبة من سنوات الصراع، تبدلت بابتسامات حقيقية من المتفرجين الذين خرجوا لتشجيع المتسابقين. هذا التحول في المشهد العام يعكس قدرة الفعل الجماعي الإيجابي على تغيير طاقة المكان بأكمله.

التنوع في الحضور - نساء وشباب من مختلف الأعمار والخلفيات - كان أحد أقوى رسائل هذا الماراثون. لم يعد الأمر مقتصراً على فئة واحدة أو جنس واحد، بل تحول إلى حراك مجتمعي شامل يعبر عن وحدة الموقف تجاه قضية حماية النساء من العنف. هذه الوحدة المرئية في الشارع تترجم إلى رسالة قوية للمجتمع الأوسع: أن الدفاع عن حقوق المرأة ليس قضية نسوية فحسب، بل قضية مجتمعية تهم الجميع.

اللحظات الإنسانية التي تخللت الماراثون - العناق بين المشاركين، دموع الفرح عند خط النهاية، هتافات التضامن - كلها تشير إلى حدوث شيء أعمق من مجرد فعالية رياضية. إنها عملية شفاء جماعي، حيث يتشارك الناس ألمهم ويحولونه معاً إلى قوة. هذه الديناميكية النفسية الإيجابية هي ما يجعل من هذا الماراثون نموذجاً قابلاً للتكرار في مواقف مماثلة.

القوة الجماعية: عندما يلتقي الأمل بالعزيمة

التعاون بين تكتل وهج النسوي ومكتب الشباب والرياضة في محافظة تعز يمثل نموذجاً فريداً لكيفية تحويل الأحلام إلى واقع من خلال الشراكة بين المجتمع المدني والمؤسسات الرسمية. هذا التحالف لم يكن وليد الصدفة، بل نتيجة فهم عميق لحقيقة أن التغيير الحقيقي يحتاج إلى تضافر جهود جميع القطاعات. عندما تلتقي رؤية المجتمع المدني الطموحة مع إمكانيات المؤسسات الرسمية، تولد قوة قادرة على تحقيق ما يبدو مستحيلاً.

ديناميكيات الحشد في هذا الماراثون كانت مختلفة عن أي فعالية أخرى. لم يكن الدافع هو المنافسة أو الفوز بجوائز، بل الرغبة الجماعية في تحويل الألم إلى أمل. هذا النوع من الدوافع يخلق طاقة خاصة، حيث يتغذى كل فرد من طاقة الآخرين، ويساهم في نفس الوقت في تقوية العزيمة الجماعية. الأمل الفردي، عندما يلتقي مع أمل مئات الآخرين، يتحول إلى قوة لا يمكن إيقافها.

شعار "من هنا مرت افتهان" يحمل دلالات عميقة تتجاوز الذكرى البسيطة. إنه إعادة تعريف جذرية لمعنى المكان والذاكرة. بدلاً من أن تبقى الأماكن التي شهدت مآسي مجرد مواقع للحزن، يمكن تحويلها إلى منطلقات للأمل. هذا التحويل الرمزي للمكان من ذاكرة ألم إلى منطلق أمل هو إنجاز نفسي واجتماعي كبير، يُظهر قدرة المجتمع على الشفاء والنمو حتى في أصعب الظروف.

المعنى الأعمق لهذا الشعار يكمن في قدرته على تحويل السرد من سرد الضحية إلى سرد البطل. افتهان لم تعد فقط ضحية للعنف، بل أصبحت رمزاً للمقاومة والتغيير. وعندما يمر المشاركون في الماراثون من نفس الأماكن، فإنهم لا يسيرون فقط على خطاها الجغرافية، بل يحملون رسالتها ويكملون مسيرتها نحو مجتمع أكثر عدالة وأماناً.

ما بعد الماراثون: البذور المزروعة

الأربعينية التي ينظمها تكتل وهج النسوي ليست مجرد فترة إحياء ذكرى، بل استراتيجية طويلة المدى للحفاظ على زخم التغيير. من خلال توزيع الأنشطة على أربعين يوماً، يضمن التكتل أن تبقى القضية حية في الوعي العام، وأن لا تختفي مع انتهاء الحدث الإعلامي الأول. هذا النهج المدروس يعكس فهماً عميقاً لسيكولوجية التغيير الاجتماعي، التي تحتاج إلى وقت وتكرار لتترسخ في الوعي الجماعي.

خطط المشاركين لترجمة هذه الطاقة الإيجابية إلى أفعال يومية تتراوح من المبادرات الفردية البسيطة إلى المشاريع المجتمعية الكبيرة. بعضهم يخطط لتنظيم جلسات توعية في أحيائهم، وآخرون يفكرون في إنشاء مجموعات دعم للنساء المعنفات. هذا التنوع في الاستجابات يُظهر أن الماراثون نجح في إشعال شرارة الإبداع والمبادرة الذاتية، وهو أهم مؤشرات نجاح أي حراك مجتمعي.

التأثير المتوقع على الوعي المجتمعي بقضايا حماية المرأة يتجاوز مدينة تعز ليصل إلى مناطق أخرى في اليمن. عندما تنتشر قصص النجاح في تحويل الألم إلى عمل إيجابي، فإنها تصبح مصدر إلهام لمجتمعات أخرى تواجه تحديات مماثلة. هذا التأثير المضاعف هو ما يحول الأحداث المحلية إلى ظواهر وطنية قادرة على إحداث تغيير واسع النطاق.

الدروس المستفادة من هذا النموذج قابلة للتطبيق في مدن يمنية أخرى، بل وفي مجتمعات أخرى تواجه تحديات مماثلة. المكونات الأساسية للنجاح - التحالف بين المدني والرسمي، التحويل الإيجابي للطاقة العاطفية، الاستمرارية في العمل، والتنوع في المشاركة - كلها عناصر قابلة للتكرار والتكييف حسب السياق المحلي. هذا ما يجعل من تجربة تعز نموذجاً ملهماً وقابلاً للتطبيق على نطاق أوسع.

إرث افتهان: من رمز للمأساة إلى منارة للتغيير

نجح المجتمع في تعز في إنجاز نفسي واجتماعي معقد: إعادة تعريف إرث افتهان المشهري من مجرد ضحية للعنف إلى محفز قوي للتغيير الاجتماعي. هذا التحول لم يحدث بالصدفة، بل كان نتيجة جهد مدروس ومخطط له من قبل ناشطين يفهمون قوة السرد في تشكيل الوعي الجماعي. عندما يتحول الحزن إلى عمل، والغضب إلى عزيمة، والذكرى المؤلمة إلى دافع للبناء، يحدث شيء سحري في النفس البشرية والمجتمع على حد سواء.

الرسائل التي يوجهها شباب تعز للمجتمع اليمني الأوسع واضحة ومؤثرة: أن التغيير ممكن، وأن الأمل يمكن أن يولد من رحم المأساة، وأن الوحدة المجتمعية قوة لا تقهر عندما تتجه نحو هدف نبيل. هذه الرسائل لا تحتاج إلى خطب رنانة أو شعارات جوفاء، بل تنقل نفسها من خلال الفعل والمثال الحي. عندما يرى الناس أن الشباب والنساء قادرون على تحويل محنتهم إلى منحة، فإن ذلك يلهمهم لفعل الشيء نفسه في حياتهم.

التطلعات المستقبلية تشير إلى إمكانية تطوير هذا الماراثون من فعالية سنوية إلى حركة مجتمعية مستمرة تضم أنشطة متنوعة على مدار السنة. يمكن أن تشمل ورش التوعية، برامج التدريب، مبادرات الدعم النفسي، والأنشطة التطوعية المختلفة. هذا التطور التدريجي من الفعالية إلى الحركة هو ما يضمن الاستدامة والتأثير طويل المدى.

في النهاية، ما حققه شباب ونساء تعز من خلال ماراثون "من هنا مرت افتهان" يتجاوز مجرد فعالية رياضية أو حتى فعالية تذكارية. إنه درس عملي في قدرة الإنسان على التعافي والنمو، ونموذج يحتذى به لكيفية تحويل المآسي إلى قوة دافعة للتغيير الإيجابي. في عالم يبدو مليئاً بالأخبار المحزنة والأحداث المؤسفة، تقدم تجربة تعز بارقة أمل حقيقية: أن الخير في الإنسان أقوى من أي ظلم، وأن الأمل أقوى من أي يأس، وأن المجتمعات قادرة على الشفاء والبناء مهما كانت جراحها عميقة. هذا الدرس ليس مخصصاً لليمن وحده، بل للإنسانية جمعاء.

آخر الأخبار

عاجل: بنكان في عدن يبدآن صرف مرتبات متراكمة لآلاف الموظفين - العمالقة وثلاث محافظات تستلم أموالها!

عاجل: بنكان في عدن يبدآن صرف مرتبات متراكمة لآلاف الموظفين - العمالقة وثلاث محافظات تستلم أموالها!

فريق التحرير منذ أسبوع
عاجل: أهالي عدن بدون كهرباء 14 ساعة يومياً... والسبب صادم يتعلق بتهريب النفط!

عاجل: أهالي عدن بدون كهرباء 14 ساعة يومياً... والسبب صادم يتعلق بتهريب النفط!

فريق التحرير منذ أسبوع