الرئيسية أخبار جرائم القتل والاختطاف ما لا تكشفه واشنطن: كيف تحوّل اليمن إلى ساحة للصراع الأمريكي-الصيني الجديد

ما لا تكشفه واشنطن: كيف تحوّل اليمن إلى ساحة للصراع الأمريكي-الصيني الجديد

15 نوفمبر 2025
06:05 م
حجم الخط:
ما لا تكشفه واشنطن: كيف تحوّل اليمن إلى ساحة للصراع الأمريكي-الصيني الجديد

في غرف صنع القرار في واشنطن، تدور معارك خفية أكثر شراسة من تلك التي تجري في ساحات البحر الأحمر. خلال الأسابيع الماضية، كشفت مجلتان أمريكيتان مؤثرتان عن حقائق صادمة حول كيفية تحول اليمن من مجرد أزمة إقليمية إلى نقطة محورية في إعادة تشكيل النظام الدولي. فبينما يعتقد الكثيرون أن الصراع في اليمن مجرد امتداد للحرب الأهلية، تكشف الوثائق والتسريبات الجديدة أن ما يحدث فعلياً هو تجربة حية لقواعد اللعبة الجيوسياسية الجديدة، حيث تختبر القوى العظمى استراتيجيات متباينة جذرياً في مواجهة نفس التحدي.

دونالد ترامب

داخل غرف القرار الأمريكية: لماذا انقسمت واشنطن حول اليمن؟

تكشف مصادر مجلة "بوليتيك" الأمريكية عن صراع داخلي حاد في إدارة ترامب حول الطريقة المثلى للتعامل مع التهديدات الحوثية في البحر الأحمر. هذا الانقسام ليس مجرد خلاف تكتيكي، بل يعكس رؤيتين استراتيجيتين متناقضتين حول دور أمريكا في العالم. نائب الرئيس جيه دي فانس، الذي يتزعم تيار "أمريكا أولاً"، عارض بشدة الضربات الجوية ضد الحوثيين في مارس الماضي، محذراً من انزلاق أمريكا في صراع لا نهاية له في منطقة لا تمثل مصالح حيوية مباشرة للولايات المتحدة.

في المقابل، وقف الرئيس ترمب إلى جانب المعسكر التقليدي الذي يؤمن بضرورة إظهار القوة الأمريكية لحماية حلفاء واشنطن في المنطقة وضمان حرية الملاحة الدولية. المفارقة الصادمة أن ترمب نفذ الضربات رغم اقتناعه بجزء من منطق فانس، مما يشير إلى عمق التعقيدات التي تواجه صانعي القرار الأمريكي في تعاملهم مع ملف شائك كاليمن.

هذا الانقسام ليس مجرد خلاف سياسي داخلي، بل يعكس أزمة أعمق في الهوية الاستراتيجية الأمريكية. فلأول مرة منذ عقود، تجد واشنطن نفسها مُجبرة على الاختيار بين استراتيجيتين متناقضتين: الانسحاب التدريجي من تعقيدات الشرق الأوسط مقابل الحفاظ على الهيمنة العالمية التقليدية. اليمن، بموقعه الاستراتيجي وتعقيداته القبلية والطائفية، أصبح المختبر الحقيقي لاختبار هاتين الاستراتيجيتين.

الاستراتيجية الصينية الخفية: كيف تفوقت بكين دبلوماسياً على واشنطن؟

بينما تتصارع واشنطن مع تناقضاتها الداخلية، تبنت الصين نهجاً مختلفاً جذرياً يكشف عن تطور جوهري في فلسفة التعامل الدولي. تقرير مجلة "فورين بوليسي" يسلط الضوء على كيفية اختيار بكين لطريق التفاهمات المباشرة مع الحوثيين لضمان سلامة سفنها التجارية، في تحدٍ صارخ للنهج الأمريكي القائم على القوة العسكرية.

هذا النهج الصيني لا يمثل مجرد براغماتية اقتصادية، بل يعكس استراتيجية طويلة المدى لإعادة تعريف قواعد التعامل الدولي. فبدلاً من فرض الحلول بالقوة، تسعى الصين لبناء شبكة من المصالح المتبادلة التي تجعل استخدام القوة غير ضروري. في السياق اليمني، نجحت بكين في تحقيق أهدافها الاقتصادية دون إطلاق رصاصة واحدة، بينما تكبدت واشنطن تكاليف عسكرية ودبلوماسية باهظة دون تحقيق نتائج حاسمة.

التفوق الصيني هنا لا يكمن فقط في تجنب التكاليف المباشرة للتدخل العسكري، بل في فهم أعمق لطبيعة الصراعات المعاصرة. فبدلاً من النظر للحوثيين كتهديد يجب إزالته، تعاملت معهم الصين كطرف له مصالح مشروعة يمكن التفاهم معها. هذا النهج لا يحقق نتائج فورية أفضل فحسب، بل يبني أسس علاقات طويلة المدى قد تخدم المصالح الصينية في المنطقة لعقود قادمة.

اليمن كمختبر للحرب الباردة الجديدة: ما تخفيه القوى العظمى

ما يجري في مياه البحر الأحمر وأراضي اليمن ليس مجرد صراع إقليمي، بل مختبر حقيقي لاختبار استراتيجيات وأدوات الحرب الباردة الجديدة بين واشنطن وبكين. التنافس الحالي يتجاوز بكثير حماية خطوط الملاحة أو مكافحة الإرهاب، ليصل إلى اختبار مدى فعالية النماذج المختلفة للهيمنة الجيوسياسية في القرن الحادي والعشرين.

الصين تراهن على نموذج "القوة الناعمة الاقتصادية" الذي يقوم على بناء شراكات تجارية واستثمارية طويلة المدى، حتى مع الأطراف التي تصنفها القوى الغربية كـ"جماعات متمردة". هذا النهج يتيح لبكين تجنب تعقيدات التدخل العسكري المباشر، بينما يحقق لها نفوذاً استراتيجياً متنامياً في مناطق حيوية كالبحر الأحمر. في المقابل، تواصل الولايات المتحدة الاعتماد على النموذج التقليدي للردع العسكري، مما يجعلها أكثر عرضة للاستنزاف في صراعات متعددة الجبهات.

التحدي الأكبر الذي تواجهه واشنطن أن النموذج الصيني يبدو أكثر جاذبية للأطراف المحلية في الصراعات الإقليمية، حيث يقدم مزايا اقتصادية ملموسة دون شروط سياسية معقدة أو تهديدات عسكرية. هذا التحول في موازين الجاذبية قد يعيد تشكيل خريطة التحالفات في الشرق الأوسط وما وراءه، حيث تجد الأطراف المحلية نفسها أمام خيارات استراتيجية لم تكن متاحة في عصر الهيمنة الأمريكية الأحادية.

الفرص المخفية: كيف يمكن لليمن الاستفادة من هذا التنافس؟

رغم التعقيدات الهائلة، يفتح التنافس الأمريكي-الصيني نوافذ فرص استراتيجية أمام اليمن والأطراف الإقليمية الذكية. التاريخ يؤكد أن الدول الصغيرة والمتوسطة حققت أكبر مكاسبها السياسية والاقتصادية خلال فترات التنافس بين القوى العظمى، حيث تجد كل قوة نفسها مُجبرة على تقديم حوافز أكبر للحصول على ولاء هذه الدول أو حتى حيادها.

في الحالة اليمنية، يمكن للأطراف المحلية استغلال هذا التنافس من خلال تبني استراتيجية "التوازن الذكي" التي تتجنب الوقوع في فخ الاصطفافات الحادة. على سبيل المثال، يمكن للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً الاستفادة من الدعم الأمريكي في الجوانب الأمنية والعسكرية، بينما تتطلع للاستثمارات الصينية في إعادة الإعمار والبنية التحتية. هذا النهج يتطلب دبلوماسية ماهرة، لكنه يحمل إمكانيات هائلة لتحقيق مكاسب حقيقية لليمن.

الدرس المهم من تجارب دول مثل سنغافورة وماليزيا وحتى تركيا في فترات سابقة، أن النجاح في استغلال التنافس بين القوى العظمى يتطلب رؤية استراتيجية واضحة وقدرة على المناورة السياسية. اليمن، بموقعه الجغرافي الفريد وثرواته الطبيعية المتنوعة، يملك مقومات هائلة للعب هذا الدور، شريطة أن تتمكن النخب السياسية اليمنية من تجاوز الصراعات الداخلية والتركيز على المصلحة الوطنية العليا.

في نهاية المطاف، ما تكشفه التطورات الأخيرة أن اليمن لم يعد مجرد ساحة للصراعات الإقليمية، بل أصبح نقطة اختبار حقيقية للنظام الدولي الناشئ. فهم هذه الديناميكيات المعقدة والتعامل معها بذكاء استراتيجي قد يمنح اليمنيين فرصة تاريخية لتحويل محنتهم إلى منحة، والخروج من دائرة الصراع المدمر إلى موقع اللاعب الاستراتيجي المؤثر في منطقة تعيد تشكيل نفسها وفقاً لقواعد جديدة لا تزال قيد التبلور.

هذا التحول الجذري في طبيعة التنافس الدولي يضع أمام اليمنيين تحدياً ومسؤولية تاريخية: إما أن يظلوا مجرد ساحة لصراعات الآخرين، أو أن يصبحوا لاعبين أذكياء يستطيعون تسخير هذا التنافس لخدمة مصالحهم الوطنية العليا. الاختيار بين هذين المسارين سيحدد ليس فقط مستقبل اليمن، بل ربما نموذجاً يحتذى به للدول الصغيرة والمتوسطة في عالم متعدد الأقطاب.

آخر الأخبار

عاجل: بنكان في عدن يبدآن صرف مرتبات متراكمة لآلاف الموظفين - العمالقة وثلاث محافظات تستلم أموالها!

عاجل: بنكان في عدن يبدآن صرف مرتبات متراكمة لآلاف الموظفين - العمالقة وثلاث محافظات تستلم أموالها!

فريق التحرير منذ أسبوع
عاجل: أهالي عدن بدون كهرباء 14 ساعة يومياً... والسبب صادم يتعلق بتهريب النفط!

عاجل: أهالي عدن بدون كهرباء 14 ساعة يومياً... والسبب صادم يتعلق بتهريب النفط!

فريق التحرير منذ أسبوع