الرئيسية أخبار جرائم القتل والاختطاف البيانات الدستورية التي تفضح: لماذا دعوات حل الأحزاب في صنعاء تنتهك 43 عامًا من التاريخ السياسي اليمني

البيانات الدستورية التي تفضح: لماذا دعوات حل الأحزاب في صنعاء تنتهك 43 عامًا من التاريخ السياسي اليمني

15 نوفمبر 2025
05:05 م
حجم الخط:
البيانات الدستورية التي تفضح: لماذا دعوات حل الأحزاب في صنعاء تنتهك 43 عامًا من التاريخ السياسي اليمني

في مفارقة دستورية صارخة تكشف حجم الخلل البنيوي الذي يشهده المشهد السياسي اليمني، تتصاعد الدعوات من أوساط ميليشيا الحوثي لحل الأحزاب السياسية، في انتهاك مباشر للمادتين 5 و58 من الدستور اليمني اللتين تكرسان حق التعددية الحزبية والتنظيم السياسي. هذه الدعوات، التي تزامنت مع اختطاف أمين عام حزب المؤتمر الشعبي العام في صنعاء ومنع إحياء الذكرى الـ43 لتأسيسه، تكشف نمطاً متكرراً من القمع الممنهج يهدد بإنهاء عقود من التاريخ السياسي اليمني الذي يمتد إلى أربعة عقود ونيف.

ملف القضية: الأدلة الدستورية المنتهكة

تنص المادة الخامسة من الدستور اليمني بوضوح قاطع على أن "النظام السياسي للجمهورية اليمنية يقوم على التعددية الحزبية والسياسية، وعلى التداول السلمي للسلطة". كما تكفل المادة 58 "حق المواطنين في التنظيم السياسي والنقابي والاجتماعي". هذان النصان الدستوريان، اللذان يشكلان أساس النظام السياسي اليمني منذ دستور 1991، يواجهان اليوم تحدياً وجودياً من قوة مسلحة لا تعترف بسيادة القانون أو الدستور.

الأرقام تتحدث بوضوح عن حجم ما يتم استهدافه: 43 عاماً من تاريخ حزب المؤتمر الشعبي العام منذ تأسيسه في 24 أغسطس 1982، و32 عاماً من التعددية الحزبية المُقننة في اليمن منذ 1991، وأكثر من 39 حزباً سياسياً معترفاً به رسمياً كان يمارس نشاطه قبل اندلاع الحرب. هذا التراث السياسي الضخم يواجه اليوم محاولة إلغاء ممنهجة تحت شعارات براقة تصف الأحزاب بـ"الشر المستطير".

التناقض بين الممارسة الحوثية والالتزامات الدستورية يكشف عن استراتيجية واضحة لإعادة تعريف طبيعة النظام السياسي اليمني من نظام تعددي دستوري إلى نظام أحادي يحتكر فيه الحوثيون السلطة والقرار. هذا التحول لا يمثل مجرد انتهاك للدستور، بل محاولة لقلب أسس الدولة اليمنية الحديثة التي تأسست على مبدأ التعددية والتداول السلمي للسلطة.

تشريح الجريمة: كيف تطورت دعوات الإلغاء

تكشف التصريحات العلنية للشخصيات الحوثية عن تصعيد مدروس يستهدف تمهيد الأرض لإعلان رسمي بحل الأحزاب. فالشيخ القبلي أمين عاطف، الموالي للحوثيين، لم يكتفِ بدعوة "حل الأحزاب كضرورة حتمية"، بل ذهب أبعد من ذلك باتهام القوى الحزبية بأنها "أدوات رخيصة جلبت الخراب للأوطان". هذه اللغة التحريضية ليست عفوية، بل جزء من حملة إعلامية منسقة تهدف لشيطنة العمل السياسي المدني.

التصعيد لم يتوقف عند التصريحات، بل تُرجم إلى إجراءات ملموسة على الأرض. اختطاف غازي الأحول، أمين عام حزب المؤتمر في صنعاء، وفرض الحصار على منزل رئيس الحزب صادق أمين أبو راس، يكشف عن استراتيجية ترهيب ممنهجة تهدف لإجبار الأحزاب على التخلي عن نشاطها السياسي طواعية. هذا النمط من العمل يذكر بأساليب الأنظمة الاستبدادية في قمع المعارضة السياسية.

الأكثر دلالة هو وجود أصوات حوثية معارضة داخل الجماعة نفسها. تحذيرات القيادي نايف القانص من أن عاطف وحازب "يُستخدمان كواجهة مؤقتة لمشروع لا يخدم المصلحة الوطنية" تكشف عن صراع داخلي حول التوجه نحو إلغاء التعددية. هذا الصراع الداخلي يشير إلى أن دعوات حل الأحزاب ليست إجماعاً حوثياً، بل توجه فصائلي قد يواجه مقاومة من داخل الجماعة نفسها.

السوابق والأنماط: دروس اغتيال صالح

التاريخ السياسي الحديث يقدم أدلة دامغة على النمط الحوثي في التعامل مع الشركاء السياسيين. تجربة التحالف مع المؤتمر الشعبي العام بقيادة علي عبد الله صالح عبر "المجلس السياسي الأعلى" في يوليو 2016 تكشف عن استراتيجية واضحة: الاستخدام المؤقت للشركاء ثم التخلص منهم عند انتهاء دورهم. اغتيال صالح في ديسمبر 2017، بعد أقل من عام ونصف من إعلان الشراكة، يمثل النموذج الأوضح لهذا النمط.

المقارنة بين أزمة 2024 مع المؤتمر وتصفية صالح في 2017 تظهر تطوراً في الأساليب الحوثية. بينما لجأت الجماعة للاغتيال المباشر مع صالح، تعتمد اليوم على أساليب أكثر تدرجاً: الاختطاف، والحصار، والضغط النفسي، وحملات التخوين. هذا التطور في الأساليب لا يعكس تراجعاً في الوحشية، بل حساباً أكثر دقة للتكاليف السياسية والإعلامية للتصفية المباشرة.

النمط المتكرر يكشف عن عقلية استراتيجية ثابتة: الحوثيون لا يؤمنون بمبدأ الشراكة السياسية، بل يستخدمونها كأداة تكتيكية لتعزيز مواقعهم قبل التخلص من الشركاء. هذا النمط ليس مقتصراً على المؤتمر الشعبي العام، بل يمتد ليشمل كل القوى السياسية. الرسالة واضحة: إما الذوبان الكامل في المشروع الحوثي، أو مواجهة التصفية والبطش.

شهادة الخبراء: التقييم القانوني والدولي

تحليل تصريحات وزير الإعلام والثقافة والسياحة معمر الإرياني يكشف عن بُعد قانوني مهم في هذه القضية. إدانته لاختطاف أمين عام المؤتمر كـ"جريمة جديدة في إطار حملة ممنهجة لتصفية الحزب وقياداته" تضع الممارسات الحوثية في إطار قانوني واضح: هذه جرائم ضد النشاط السياسي المدني، وليس مجرد خلافات سياسية عادية.

المقارنة مع معايير التعددية السياسية في القانون الدستوري المقارن تظهر حجم الانتهاك الحوثي. الدساتير الديمقراطية في العالم تعتبر حق تشكيل الأحزاب والنشاط السياسي حقاً أساسياً لا يمكن المساس به إلا في ظروف استثنائية محددة قانونياً. الحوثيون، بدلاً من ذلك، يستخدمون القوة المجردة لفرض رؤيتهم السياسية، مما يضعهم خارج إطار الشرعية الدستورية والقانونية.

التداعيات على العملية السياسية والتسوية المستقبلية واضحة ومدمرة. كما يشير الإرياني، فإن هذه التطورات "تبرهن على استحالة الشراكة أو التعايش مع الحوثيين، الذين لا يعترفون بأي شريك سياسي ولا بأي صيغة للتعددية". هذا التقييم ليس مجرد موقف سياسي، بل استنتاج قانوني مبني على الممارسة الفعلية للجماعة على مدى سنوات من السيطرة على أجزاء من اليمن.

الحكم النهائي: لماذا تنهار التعددية في اليمن

الأدلة المتراكمة من الممارسة الحوثية على مدى السنوات الماضية تؤدي إلى استنتاج واحد لا مفر منه: الحوثيون غير قادرين على التعايش مع أي شكل من أشكال التعددية السياسية. دعوات حل الأحزاب ليست مجرد موقف سياسي مرحلي، بل تعبير عن رؤية شمولية ترفض مبدأ تعدد مراكز القوى أو القرار في الدولة.

التكلفة السياسية والدستورية لانهيار النظام التعددي في اليمن ستكون كارثية ومدمرة. إلغاء الأحزاب يعني إلغاء عقود من التطور الديمقراطي، وإعادة اليمن إلى عصر الحكم الفردي الذي ناضل الشعب اليمني للتخلص منه منذ ثورة 26 سبتمبر 1962. هذا الانتكاس ليس مجرد خسارة سياسية، بل تدمير للهوية الوطنية اليمنية الحديثة التي بُنيت على أساس التعددية والمشاركة.

الرؤية المستقبلية لاستعادة التعددية السياسية في اليمن تتطلب أكثر من مجرد إنهاء الحرب. تحتاج إلى إعادة بناء جذرية لمفهوم الدولة اليمنية، وضمانات دولية وإقليمية لحماية التعددية، وآليات قانونية صارمة لمنع تكرار نماذج القمع السياسي. الطريق طويل وشاق، لكن البديل هو القبول بتحويل اليمن إلى دولة أحادية تحكمها جماعة مسلحة لا تؤمن بحق الشعب في الاختيار والتعبير السياسي.

في النهاية، تكشف دعوات حل الأحزاب في صنعاء عن حقيقة مرة: اليمن يواجه اليوم خياراً وجودياً بين الحفاظ على هويته الدستورية كدولة تعددية، أو القبول بتحوله إلى نموذج آخر من نماذج الحكم الاستبدادي في المنطقة. البيانات الدستورية واضحة، والتاريخ السياسي شاهد، والممارسة الحوثية مكشوفة. ما يبقى هو استحقاق الاختيار: هل سيدافع اليمنيون عن الـ43 عاماً من تاريخهم السياسي، أم سيتركونها تذوب في مشروع لا يعترف بحق الاختلاف أو التعدد؟

آخر الأخبار

عاجل: بنكان في عدن يبدآن صرف مرتبات متراكمة لآلاف الموظفين - العمالقة وثلاث محافظات تستلم أموالها!

عاجل: بنكان في عدن يبدآن صرف مرتبات متراكمة لآلاف الموظفين - العمالقة وثلاث محافظات تستلم أموالها!

فريق التحرير منذ أسبوع
عاجل: أهالي عدن بدون كهرباء 14 ساعة يومياً... والسبب صادم يتعلق بتهريب النفط!

عاجل: أهالي عدن بدون كهرباء 14 ساعة يومياً... والسبب صادم يتعلق بتهريب النفط!

فريق التحرير منذ أسبوع