الرئيسية أخبار جرائم القتل والاختطاف لماذا تكرار استهداف الحزام الأمني في أبين يعني ضرورة تعزيز التماسك المجتمعي الآن

لماذا تكرار استهداف الحزام الأمني في أبين يعني ضرورة تعزيز التماسك المجتمعي الآن

14 نوفمبر 2025
05:50 م
حجم الخط:
لماذا تكرار استهداف الحزام الأمني في أبين يعني ضرورة تعزيز التماسك المجتمعي الآن

في بقعة جغرافية تبدو للوهلة الأولى هادئة على خريطة اليمن، تختزن مديرية الوضيع بمحافظة أبين قصة أكثر عمقاً من مجرد إحصائية جديدة في سجلات الأمن. حين انفجرت العبوة الناسفة صباح الجمعة الماضي لتزهق أرواح الجنديين لطفي سالم وعبدالله مقبل علي صالح، لم تقتل الانفجار شخصين فحسب، بل كشفت عن تحدٍ أكبر يواجه النسيج الاجتماعي في هذه المنطقة التي تتصارع مع واقع أمني معقد. إن تكرار هذه الحوادث ليس مجرد تصعيد في المشهد الأمني، بل مؤشر على ضرورة إعادة تعريف معنى الأمن ذاته، من مفهوم عسكري بحت إلى منظومة مجتمعية شاملة تتطلب تضافر كل القوى المحلية.

الضربة المزدوجة: عندما يتحول الأمن الشخصي إلى هاجس جماعي

لا يمكن فهم تأثير حادث الوضيع الأخير دون إدراك السياق النفسي والاجتماعي الذي وقع فيه. فالمجتمعات المحلية في أبين لم تعد تتعامل مع هذه الحوادث كأخبار منفصلة، بل كجزء من نمط متصل يشكل هوية المكان وطبيعة الحياة فيه. عندما تنفجر عبوة ناسفة في طريق فرعي بمنطقة الشحطة، فإن الانفجار لا يقتصر على الضحايا المباشرين، بل يرسل موجات صدمة تصل إلى كل بيت في المديرية.

هذا التأثير المضاعف يخلق ما يمكن تسميته "اقتصاد الخوف" حيث تعيد العائلات حساباتها اليومية: متى نخرج من المنزل؟ أي طرق نسلك؟ كيف نحمي أطفالنا وهم في طريقهم إلى المدرسة؟ هذه الأسئلة التي تبدو بسيطة تحمل في طياتها عبء نفسي هائل يتراكم يوماً بعد يوم، مشكلاً ضغطاً مستمراً على قدرة المجتمع على الاستمرار في الحياة بشكل طبيعي.

والأخطر من ذلك أن تكرار هذه الحوادث - كما حصل في الشهر الماضي بالمحفد حين تم استهداف المجمع الحكومي بسيارتين مفخختين - يخلق حالة من "التطبيع مع الخطر" حيث يصبح العنف جزءاً متوقعاً من الروتين اليومي. هذا التطبيع يؤثر بشكل خاص على الأجيال الجديدة التي تنشأ وهي ترى في الانفجارات والاشتباكات واقعاً لا مفر منه، مما يشكل تهديداً طويل المدى للسلام النفسي والاجتماعي في المنطقة.

التأثير المتسلسل: كيف يعيد العنف المتكرر تشكيل النسيج الاجتماعي

إن الانفجارات المتكررة في مديرية الوضيع وغيرها من مناطق أبين لا تقتصر آثارها على الخسائر البشرية المباشرة، بل تعيد تشكيل النسيج الاجتماعي بطرق معقدة وأحياناً غير متوقعة. على المستوى الاقتصادي، تؤثر هذه الحوادث على حركة التجارة والنشاط الاقتصادي، حيث يتردد التجار والمزارعون في نقل بضائعهم عبر الطرق التي تشهد نشاطاً للعناصر المسلحة. هذا التردد لا يؤثر فقط على الدخل المباشر للعائلات، بل يخل بالشبكة الاقتصادية المحلية التي تعتمد على التبادل التجاري بين المناطق المختلفة.

أما على الصعيد التعليمي والصحي، فإن تأثير هذه الأحداث يتجلى في تغيير أنماط الحياة اليومية. المدارس تضطر أحياناً لتعديل مواعيدها أو طرق وصول الطلاب إليها، والمراكز الصحية تواجه تحديات في استقبال الحالات الطارئة عندما تكون الطرق غير آمنة. هذه التعديلات التي قد تبدو مؤقتة تتراكم عبر الوقت لتصبح جزءاً من النمط الحياتي الجديد الذي يفرضه الواقع الأمني.

لكن الأهم من كل ذلك هو التأثير على البنية النفسية للمجتمع. فالعنف المتكرر يخلق حالة من الضغط النفسي المستمر تؤثر على قدرة الأفراد على التخطيط للمستقبل واتخاذ قرارات طويلة المدى. عندما يصبح الغد غير مؤكد، تتغير أولويات الناس من بناء المستقبل إلى ضمان البقاء، ومن الاستثمار في التعليم والتطوير إلى التركيز على الحماية والأمان الفوري.

ومع ذلك، فإن هذا الواقع المرير يحمل في طياته أيضاً بذور المقاومة الإيجابية. فالمجتمعات التي تواجه تهديدات مستمرة تطور آليات دفاعية طبيعية، منها تعزيز الروابط الأسرية والمجتمعية، وزيادة التعاون في مواجهة التحديات المشتركة. هذه الآليات، إذا ما تم توجيهها وتنميتها بشكل صحيح، يمكن أن تصبح أساساً قوياً للتماسك الاجتماعي والصمود في وجه الصعاب.

استراتيجيات الصمود: عندما يصبح التماسك ضرورة وجودية

في خضم الحديث عن التحديات الأمنية والتأثيرات السلبية للعنف المتكرر، تبرز قصص إيجابية عن قدرة المجتمعات المحلية على التكيف والابتكار في مواجهة الأزمات. في مديرية الوضيع وغيرها من مناطق أبين، طورت العائلات والأحياء شبكات دعم غير رسمية تعمل كخطوط دفاع أولى ضد تأثيرات العنف. هذه الشبكات تتضمن أنظمة إنذار مبكر بين الجيران، وترتيبات لمشاركة المعلومات الأمنية، وآليات للدعم النفسي والمادي للأسر المتضررة.

إن هذه المبادرات التلقائية تكشف عن جانب مهم من طبيعة المجتمع اليمني: قدرته على التحويل الإيجابي للأزمات إلى فرص للتماسك والتضامن. عندما تصبح الطرق الرئيسية غير آمنة، يجد الناس طرقاً بديلة ليس فقط للوصول إلى وجهاتهم، بل للحفاظ على الروابط الاجتماعية التي تشكل أساس الحياة المجتمعية. هذه الطرق البديلة تشمل استخدام وسائل التواصل المحلية التقليدية، وتنظيم جلسات عامة لمناقشة التحديات المشتركة، وإنشاء مجموعات عمل تطوعية للتعامل مع الحالات الطارئة.

كما تظهر تجارب ناجحة في مناطق أخرى من اليمن كيف يمكن للتماسك المجتمعي أن يسهم في تقليل تأثير العمليات الإرهابية. عندما يشعر أفراد المجتمع بأن لديهم شبكة دعم قوية وأن مصيرهم مرتبط ببعضهم البعض، فإن قدرتهم على مقاومة الضغوط النفسية تزداد بشكل كبير. هذا النوع من المقاومة الناعمة لا يقل أهمية عن الجهود الأمنية الرسمية، بل قد يكون أكثر فعالية في المدى الطويل لأنه ينبع من داخل المجتمع نفسه وليس مفروضاً من الخارج.

والأهم من ذلك أن هذا التماسك المجتمعي يخلق بيئة غير مناسبة لنمو الفكر المتطرف أو انتشار الأنشطة الإرهابية. عندما تكون الروابط الاجتماعية قوية والناس يشعرون بالانتماء والأمان النسبي ضمن مجتمعهم، فإن الرسائل المتطرفة تجد صعوبة أكبر في الانتشار أو كسب التأييد. هذا ما يجعل الاستثمار في التماسك الاجتماعي استراتيجية أمنية ذكية طويلة المدى، تكمل الجهود الأمنية المباشرة وتوفر أساساً مستداماً للاستقرار.

الدرس الأكبر: لماذا يصبح التماسك المجتمعي خط الدفاع الأول

إن التحليل العميق لحادث الوضيع الأخير وسلسلة الأحداث المماثلة في أبين يقودنا إلى استنتاج مهم: التماسك المجتمعي ليس مجرد استجابة طبيعية للأزمات، بل ضرورة استراتيجية لبناء مقاومة طويلة المدى ضد العنف والتطرف. هذا التماسك لا يعني فقط التعاطف والدعم المتبادل بين أفراد المجتمع، بل يشمل أيضاً تطوير قدرات جماعية على التنبؤ بالمخاطر والتعامل معها، وبناء آليات محلية لحل النزاعات والوساطة، وخلق بدائل إيجابية للشباب الذين قد يكونون عرضة للتجنيد من قبل الجماعات المسلحة.

هذا الفهم يتطلب نقلة في طريقة التفكير حول الأمن، من مفهوم يركز على القمع والردع إلى مفهوم أوسع يشمل الوقاية والبناء الإيجابي. في سياق مديرية الوضيع، هذا يعني أن الحل الدائم لمشكلة العبوات الناسفة والهجمات الإرهابية لا يكمن فقط في زيادة التدابير الأمنية أو تكثيف العمليات العسكرية، بل في بناء مجتمع محصن نفسياً واجتماعياً ضد رسائل التطرف وممارسات العنف.

كما أن الدروس المستفادة من تجربة أبين تقدم نموذجاً قابلاً للتطبيق في مناطق أخرى تواجه تحديات مماثلة. فالاستثمار في التعليم المجتمعي، وتطوير الفرص الاقتصادية المحلية، وتعزيز دور المؤسسات التقليدية في حل النزاعات، كلها عوامل تساهم في بناء مناعة مجتمعية ضد العنف. هذه المناعة لا تنمو بين ليلة وضحاها، بل تحتاج إلى جهد مستمر وصبر طويل، لكنها تبقى الضمانة الوحيدة للاستقرار الحقيقي والدائم.

إن قصة مديرية الوضيع، رغم مأساويتها، تحمل رسالة أمل عميقة حول قدرة الإنسان على التحويل الإيجابي للمحن إلى فرص للنمو والتطور. عندما يتحد الناس حول قيم مشتركة ويعملون معاً من أجل مستقبل أفضل لأطفالهم، فإنهم يبنون حصناً منيعاً ضد كل أشكال العنف والتطرف. هذا الحصن لا يُبنى بالسلاح أو الحديد، بل بالثقة المتبادلة والعمل المشترك والإيمان بأن الأمن الحقيقي يبدأ من القلوب قبل الحدود. في هذا السياق، تصبح كل مبادرة مجتمعية إيجابية، وكل يد ممدودة للعون، وكل كلمة تدعو للتسامح والتفاهم، جزءاً من منظومة دفاعية أقوى وأدوم من أي سلاح.

آخر الأخبار

عاجل: بنكان في عدن يبدآن صرف مرتبات متراكمة لآلاف الموظفين - العمالقة وثلاث محافظات تستلم أموالها!

عاجل: بنكان في عدن يبدآن صرف مرتبات متراكمة لآلاف الموظفين - العمالقة وثلاث محافظات تستلم أموالها!

فريق التحرير منذ أسبوع
عاجل: أهالي عدن بدون كهرباء 14 ساعة يومياً... والسبب صادم يتعلق بتهريب النفط!

عاجل: أهالي عدن بدون كهرباء 14 ساعة يومياً... والسبب صادم يتعلق بتهريب النفط!

فريق التحرير منذ أسبوع