في إعلان هادئ لكنه قد يحمل تأثيراً عميقاً على حياة ملايين اليمنيين، أعلنت السلطة المحلية في محافظة حضرموت التزامها الكامل بتوريد إيراداتها المركزية إلى البنك المركزي اليمني في عدن، ودعمها لخطة الإصلاحات الاقتصادية الشاملة. هذا الإعلان، رغم بساطته الظاهرية، يضع اليمن أمام لحظة حرجة قد تحدد مسار الاستقرار الاقتصادي للبلاد في الأشهر القادمة.
المشكلة: لماذا تأثرت الخدمات الأساسية سابقاً؟
يكمن جوهر أزمة الخدمات الأساسية في اليمن في انقطاع تدفق الإيرادات من المحافظات الغنية بالموارد إلى الخزانة المركزية. فعندما توقفت محافظات نفطية مهمة مثل حضرموت عن توريد إيراداتها بانتظام، وجدت الحكومة المركزية نفسها عاجزة عن تمويل الخدمات الأساسية.
هذا الانقطاع المالي ترك آثاراً مدمرة على حياة المواطنين. فقد أدى توقيف شركة "بتروماسيلة" عن تزويد محطات الكهرباء بوقود الديزل المدعوم إلى انقطاعات طويلة في التيار الكهربائي، تاركة المستشفيات والمدارس والمصانع في ظلام دامس. كما تراكمت مديونيات رواتب موظفي القطاعات الحيوية، خاصة في التعليم والصحة، مما دفع العديد منهم إلى ترك وظائفهم والبحث عن بدائل لإعالة أسرهم.
الأرقام تكشف حجم الكارثة: لم تتمكن الموارد الحكومية من تغطية سوى 25% من النفقات العامة، بما في ذلك الرواتب، مما أدى إلى شلل شبه كامل في الآلة الحكومية وتدهور حاد في مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين.
الحل الأول: استئناف تدفق الإيرادات إلى المركز
بإعلان حضرموت التزامها بتوريد الإيرادات المركزية، تعود إحدى أهم شرايين التمويل الحكومي إلى الحياة. هذه المحافظة، التي تضم موارد نفطية وغازية ضخمة بالإضافة إلى ميناء الشحر الاستراتيجي، كانت غيابها عن النظام المالي المركزي يعني خسارة مصدر أساسي للعملة الصعبة والإيرادات الحكومية.
تحول ميناء الشحر إلى منفذ جمركي رسمي يعني توحيد عمليات التحصيل الجمركي تحت مظلة واحدة، مما يضمن وصول هذه الإيرادات إلى الحساب العام للدولة بدلاً من تسريبها عبر قنوات جانبية. هذا التطور مهم بشكل خاص لأن الرسوم الجمركية تشكل مصدراً حيوياً لتمويل الموازنة العامة، خاصة في ظل تراجع الإيرادات النفطية بسبب الحرب.
الأثر المتوقع لهذا القرار سيكون مباشراً على قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها المالية، بما في ذلك صرف رواتب موظفي التعليم والصحة، وتمويل العمليات التشغيلية للمرافق الحيوية. كما سيعزز هذا القرار من قدرة البنك المركزي على إدارة سعر الصرف والحفاظ على استقرار العملة المحلية.
الحل الثاني: عودة شركة بتروماسيلة واستقرار الكهرباء
قرار إعادة النظر في توقيف شركة "بتروماسيلة" يحمل أهمية خاصة للمواطن العادي، حيث يعني عملياً عودة إمدادات الوقود المدعوم إلى محطات الكهرباء. هذه الشركة، التي كانت تلعب دوراً محورياً في ضمان استمرارية التيار الكهربائي، شكل توقيفها ضربة مباشرة للخدمات الأساسية.
الوقود المدعوم ضروري لتشغيل محطات الكهرباء بتكلفة معقولة، مما يجعل الكهرباء متاحة للمواطنين بأسعار مقبولة. بدون هذا الدعم، تصبح تكلفة توليد الكهرباء مرتفعة جداً، مما يؤدي إما إلى انقطاعات طويلة أو إلى رفع أسعار الكهرباء بما يفوق قدرة المواطنين على التحمل.
عودة الشركة إلى العمل تعني أيضاً إعادة تشغيل سلسلة إمداد كاملة تشمل النقل والتوزيع والصيانة، مما سيوفر فرص عمل مباشرة وغير مباشرة للآلاف من العاملين. كما أن استقرار الكهرباء سيحفز النشاط الاقتصادي، حيث تتمكن المصانع والمتاجر والورش من العمل بكفاءة أعلى، مما ينعكس إيجاباً على مستوى المعيشة العام.
الحل الثالث: التخطيط المستقبلي عبر موازنة 2026
تشكيل لجنة لإعداد الموازنة العامة للمحافظة لعام 2026 يمثل خطوة استراتيجية مهمة لضمان استدامة التحسينات الحالية. هذه اللجنة ستعمل على وضع إطار مالي منهجي يشمل حصة التنمية والالتزامات الفعلية والإعانات المحلية، مما يضمن توزيعاً عادلاً للموارد على القطاعات المختلفة.
الموازنة الجديدة ستتضمن تخصيصات واضحة لقطاعات التعليم والصحة والخدمات البلدية، بما يضمن استمرارية التحسينات المرتقبة في هذه المجالات. كما ستحدد الموازنة آليات شفافة للرقابة على الإنفاق، مما يقلل من هدر الموارد ويضمن وصولها إلى المستحقين الفعليين.
التخطيط المسبق للموازنة يعكس أيضاً التزاماً طويل المدى بالإصلاح الاقتصادي، وليس مجرد إجراءات مؤقتة لمواجهة أزمة عاجلة. هذا النهج المنهجي ضروري لبناء ثقة المواطنين والمستثمرين والشركاء الدوليين في قدرة الحكومة على إدارة الموارد بكفاءة ومسؤولية.
الخلاصة: الجدول الزمني المتوقع للتحسينات
الخطوات الثلاث المعلنة من حضرموت - توريد الإيرادات، وعودة بتروماسيلة، والتخطيط لموازنة 2026 - تشكل معاً منظومة متكاملة للإصلاح الاقتصادي التدريجي. التوقعات الزمنية الواقعية تشير إلى إمكانية ملاحظة تحسينات ملموسة خلال الأشهر القليلة القادمة، خاصة في قطاعي الكهرباء والرواتب.
في المدى القصير (3-6 أشهر)، يُتوقع تحسن تدريجي في انتظام صرف رواتب موظفي القطاعات الحيوية، وتقليل ساعات انقطاع الكهرباء بشكل ملحوظ. في المدى المتوسط (6-12 شهر)، قد نشهد تحسناً في جودة الخدمات الصحية والتعليمية، وزيادة في الاستثمار في البنية التحتية الأساسية.
النجاح الحقيقي لهذه الخطة سيعتمد على مدى التزام جميع الأطراف بالشفافية والمحاسبة، ومتابعة النتائج الفعلية على أرض الواقع. المواطن اليمني، الذي عانى سنوات طويلة من تدهور الخدمات، يستحق رؤية نتائج ملموسة تترجم هذه الإعلانات إلى تحسن حقيقي في ظروف حياته اليومية.