في لحظة تاريخية حرجة، يعقد مجلس الأمن الدولي مساء اليوم جلسة استثنائية حول الأوضاع في اليمن، بينما يواجه شعبٌ صامد منذ تسع سنوات أزمة إنسانية مروعة. لكن ما يحدث اليوم ليس مجرد جلسة دبلوماسية أخرى - إنه اختبار حقيقي لقدرة اليمنيين على تحويل معاناتهم إلى قوة دافعة نحو المستقبل. إذا كانت المعاناة قد صقلت إرادة الشعب اليمني وعمقت وعيه بحقوقه، فإن اللحظة الراهنة تتطلب أدوات جديدة لتحويل هذا الألم إلى محرك للتغيير الإيجابي.
الأداة الأولى: قراءة الإشارات الدولية بعين اليمني
زيارات المبعوث الأممي هانس غروندبرغ المكثفة للرياض وأبوظبي ولقاءاته مع سفراء الدول الخمس الدائمة العضوية تحمل رسالة واضحة: الملف اليمني أصبح أولوية دولية حقيقية وليس مجرد ملف هامشي. هذا الاهتمام المتزايد يجب أن يُقرأ كاعتراف دولي متنامي بأن اليمنيين يستحقون حياة كريمة، وليس كرحمة أو شفقة من العالم الخارجي.
اللقاءات الإقليمية تكشف عن تحول جوهري في النظرة للدور السعودي والإماراتي من "تدخل" إلى "شراكة إقليمية" ضرورية لاستقرار المنطقة بأسرها. عندما يجتمع مسؤولون يمنيون وسعوديون وإماراتيون تحت مظلة أممية، فهذا يعني أن صوت اليمن بات مسموعاً كطرف أساسي في المعادلة وليس مجرد ضحية سلبية.
التركيز على "تحقيق سلام واستقرار دائمين يعكس تطلعات اليمنيين ويعالج الشواغل الإقليمية" يشير إلى نضج دبلوماسي جديد يضع الإرادة اليمنية في مركز أي حل مستقبلي. هذا التطور يتطلب من اليمنيين استغلال هذه النافذة الذهبية لتعزيز موقفهم التفاوضي.
الأداة الثانية: استخلاص القوة من قصص الصمود اليومية
الإحصائيات المؤلمة - 19.5 مليون شخص يحتاجون مساعدة إنسانية، نصف السكان يعانون من انعدام الأمن الغذائي، ثلاث نساء تموت يومياً أثناء الولادة - هذه الأرقام لا تحكي قصة فشل بل قصة صمود استثنائي. فبعد تسع سنوات من الحرب، لا يزال اليمن قائماً، لا تزال مؤسساته تعمل ولو بأدنى مستوياتها، ولا يزال شعبه متماسكاً رغم كل التحديات.
كل امرأة تلد بأمان في ظروف صعبة، كل طالب يواصل تعليمه رغم تدهور المدارس، كل مزارع يحافظ على أرضه رغم شح المياه، يمثل انتصاراً صامتاً على قوى التدمير. هذه القصص الفردية مجتمعة تشكل ملحمة جماعية من المقاومة السلمية والإصرار على الحياة.
التراث اليمني العريق في التجارة والزراعة والحرف التقليدية يوفر قاعدة صلبة لإعادة البناء. المدرجات الزراعية في اليمن، التي تحدت الجفاف لآلاف السنين، تحمل درساً عملياً في كيفية تحويل التحديات الطبيعية إلى إنجازات حضارية. هذا الإرث يذكر اليمنيين بأنهم ورثة حضارة عريقة قادرة على التكيف والازدهار.
الأداة الثالثة: تحويل الغضب إلى طاقة بناءة
قضية الموظفين الأمميين المختطفين لدى مليشيا الحوثي تمثل انتهاكاً صارخاً للكرامة الإنسانية والقانون الدولي، لكنها تكشف أيضاً عن حقيقة مهمة: العالم يراقب، والممارسات الخاطئة لا تمر دون إدانة دولية. هذا الاهتمام الدولي بحقوق العاملين الإنسانيين يجب أن يُترجم إلى ضغط مماثل لحماية حقوق جميع اليمنيين.
الغضب المبرر من هذه الانتهاكات يمكن توجيهه نحو بناء مبادرات مجتمعية محلية تعزز قيم العدالة وحقوق الإنسان. مجتمعات يمنية تنظم شبكات دعم للعائلات المتضررة، مجموعات شبابية تطور برامج تعليمية بديلة، نساء يؤسسن مشاريع اقتصادية صغيرة - كل هذا يشكل مقاومة سلمية فعالة أقوى من أي خطاب سياسي.
الزخم العاطفي الناجم عن مشاهد المعاناة يمكن تحويله إلى طاقة للعمل التطوعي والمبادرات المجتمعية. عندما يتحول الألم إلى عمل جماعي منظم، يصبح قوة تغيير حقيقية تتجاوز حدود السياسة التقليدية نحو بناء نسيج اجتماعي أقوى وأكثر تماسكاً.
الأداة الرابعة: بناء الأمل على أساس واقعي
الجهود الأممية المكثفة لإحياء المسار السياسي الشامل وتكثيف العمل الإنساني تشير إلى تحول في الاستراتيجية الدولية من إدارة الأزمة إلى حلها فعلياً. وصول المساعدات الطارئة إلى أكثر من 450 ألف شخص كاستجابة للكوارث المناخية يثبت أن الآلة الإنسانية الدولية تعمل، وأن هناك التزاماً حقيقياً بدعم اليمنيين.
المؤشرات الإيجابية تتضمن تعدد القنوات الدبلوماسية النشطة، واستمرار تدفق المساعدات رغم التحديات، والاعتراف الدولي بضرورة الحل السياسي الشامل. هذه المؤشرات تؤسس لتوقعات واقعية: التغيير سيكون تدريجياً وليس سحرياً، لكنه حقيقي ومستدام عندما يأتي من الداخل بدعم خارجي منسق.
النتائج المحتملة لجلسة مجلس الأمن قد تشمل قرارات جديدة حول الحماية الإنسانية، وآليات محسنة لمراقبة وقف إطلاق النار، وربما التزامات مالية إضافية للبرامج الإنسانية. المهم هو قياس التقدم الحقيقي على الأرض: تحسن الخدمات الأساسية، زيادة الأمان للمدنيين، وتوسيع مساحات الحوار السياسي الداخلي.
جلسة مجلس الأمن اليوم تمثل لحظة فارقة، لكن القوة الحقيقية للتغيير تكمن في الأدوات الأربع التي يملكها اليمنيون بأنفسهم: قراءة المتغيرات الدولية بوعي استراتيجي، واستلهام القوة من قصص الصمود اليومي، وتحويل الغضب المبرر إلى عمل بناء، وبناء الأمل على أسس واقعية قابلة للقياس. هذه ليست مجرد استراتيجيات نفسية بل خارطة طريق عملية لتحويل المعاناة إلى محرك للتقدم. في النهاية، الطريقة الوحيدة لتحويل معاناة اليمن إلى قوة هي الإيمان بأن القوة الحقيقية تأتي من الداخل، وأن الدعم الدولي - مهما كان مهماً - لن يكون بديلاً عن الإرادة اليمنية الصلبة والعمل الجماعي المنظم.