الرئيسية أخبار جرائم القتل والاختطاف كيف حوّل حزب المؤتمر في اليمن نفسه من شريك في الانقلاب إلى ديكور سياسي للحوثيين؟

كيف حوّل حزب المؤتمر في اليمن نفسه من شريك في الانقلاب إلى ديكور سياسي للحوثيين؟

13 نوفمبر 2025
06:55 ص
حجم الخط:
كيف حوّل حزب المؤتمر في اليمن نفسه من شريك في الانقلاب إلى ديكور سياسي للحوثيين؟

في لحظة كاشفة عن طبيعة التوازنات السياسية في اليمن، صدر بيان باسم حزب المؤتمر الشعبي العام بصنعاء يلغي احتفالية ذكرى التأسيس، بحجة التضامن مع الأوضاع في غزة، بينما تزامن ذلك مع اعتقالات واسعة طالت قيادات الحزب وحصار منازل أخرى. هذا التناقض الصارخ - بين خطاب التضامن الإنساني والقمع الداخلي المباشر - يكشف عن تحول جذري في طبيعة العلاقة بين شريكي الانقلاب السابقين، من تحالف استراتيجي إلى علاقة سيد وتابع مطلقة.

ملف القضية: من شراكة الانقلاب إلى التبعية المطلقة

البيان الذي حمل توقيع حزب المؤتمر بصنعاء لا يحتاج إلى خبير في التحليل اللغوي ليكشف مصدره الحقيقي. العبارات التي تصف عبد الملك الحوثي بـ"المجاهد" الذي "سيسجله التاريخ بأحرف من نور" تنتمي إلى قاموس الخطاب الحوثي المعتاد، وليس إلى التقليد السياسي المؤتمري. هذا التحول في الخطاب يمثل المرحلة النهائية من عملية طويلة بدأت منذ سيطرة الحوثيين على صنعاء، حيث تم تدريجياً تفريغ المؤتمر من محتواه السياسي الحقيقي وتحويله إلى مجرد واجهة شرعية.

الأحداث الأخيرة تكشف عن نمط منهجي في التعامل مع القيادات المؤتمرية. الاعتقالات لم تطل فقط الأمين العام للحزب ومرافقيه، بل امتدت إلى فرض حصار على منزل رئيس الحزب صادق أمين أبو راس وعدد من القيادات الأخرى. هذا النمط يشير إلى استراتيجية محكمة تهدف إلى ضمان الطاعة المطلقة، حيث يتم إبقاء القيادات تحت ضغط مستمر لضمان عدم خروجها عن النص المطلوب.

المقارنة بين موقف المؤتمر اليوم وخطاباته في السنوات الماضية تكشف عن تحول دراماتيكي. في البداية، كان الحديث عن شراكة استراتيجية وتحالف ضد "العدوان"، أما اليوم فقد تحول الخطاب إلى تمجيد صريح للقيادة الحوثية مع تبرير واضح لكل إجراءاتها القمعية. هذا التطور يؤكد أن العلاقة قد تجاوزت مرحلة التحالف السياسي إلى مرحلة الاستيلاء الكامل على الآلة التنظيمية للحزب.

تشريح الجريمة السياسية: كيف تم ابتلاع المؤتمر تدريجياً

استراتيجية "الديكور السياسي" التي اعتمدها الحوثيون مع المؤتمر تمثل نموذجاً متطوراً في فنون السيطرة السياسية. بدلاً من الحل الفوري للحزب أو المواجهة المباشرة مع قواعده الشعبية الواسعة، اختاروا طريقاً أكثر دهاءً يقوم على التفريغ التدريجي للمضمون مع الاحتفاظ بالشكل الخارجي. هذا النهج مكنهم من استغلال الشرعية التاريخية للمؤتمر وقواعده التنظيمية الراسخة في خدمة مشروعهم السياسي.

آليات الاستيلاء التدريجي تضمنت عدة مراحل محددة. أولاً، تم إحلال الولاءات على مستوى القيادات الوسطى والدنيا من خلال نظام الحوافز والعقوبات. ثانياً، تم نقل الخبرات الإدارية والأمنية والعسكرية من المؤتمر إلى الجهاز الحوثي بطريقة منهجية. ثالثاً، تم تذويب الإطار العام للحزب في إطار "دولة المليشيا" كما يصفها الباحثون، حيث فقد الحزب استقلاليته في اتخاذ القرار وأصبح مجرد أداة تنفيذية.

دور علي عبد الله صالح في هذه المعادلة يكشف عن خطأ استراتيجي جوهري في التقدير السياسي. الرئيس السابق اعتقد أنه يمكن استخدام الحوثيين كـ"قفاز" للعودة إلى السلطة، متجاهلاً أن "شياطين الإمامة" - كما يصفهم المحللون - كانوا يخططون لسيناريو مختلف تماماً. العبارة الشعبية "تعشوا به قبل أن يتغدى بهم" تلخص بدقة ما حدث، حيث تمكن الحوثيون من قلب الطاولة على شريكهم التاريخي واستكمال مشروع السيطرة الكاملة على مؤسساته.

الأدلة الداميغة: التناقضات التي تفضح حجم السيطرة

التناقض الأساسي في الموقف الحوثي من الاحتفالات يكشف عن طبيعة العلاقة الحقيقية مع الحلفاء السابقين. بينما يُمنع المؤتمر من الاحتفال بذكرى تأسيسه بحجة الظروف في غزة، تستمر الاستعدادات لاحتفالات المولد النبوي الحوثية دون أي تأثير لنفس الظروف الإنسانية. هذا التمايز في المعايير يؤكد أن القرار ليس مبنياً على اعتبارات إنسانية حقيقية، بل على حسابات سيطرة سياسية محضة.

شهادة الخبراء توفر رؤية عمقية لهذه التطورات. الباحث نبيل البكيري يؤكد أن "قيادات المؤتمر في صنعاء لا يمتلكون القرار، ومن يمتلكه فقط عبد الملك الحوثي وحاشيته". هذا التشخيص يكشف عن تحول جوهري في طبيعة السلطة، حيث أصبح المؤتمر مجرد أداة تنفيذية تفتقر لأي استقلالية في القرار السياسي. الدكتور عادل شجاع، عضو اللجنة العامة للمؤتمر، يذهب أبعد من ذلك ويصف البيان بأنه "مخزٍ" ويؤكد أن القيادات "تخلت عن مسؤوليتها" وواصلت "إعطاء غطاء سياسي ودبلوماسي" للحوثيين.

المقارنات الجغرافية تكشف عن نمط أوسع في التعامل مع المقاومة السياسية. انهيار المقاومة في معظم المحافظات باستثناء مأرب وأجزاء من تعز يشير إلى عوامل أعمق من مجرد القوة العسكرية. شجاع يشير إلى أن "العيب ليس في أبناء هذه المحافظات وإنما في الذي كان يدير هذه المعركة"، مشيراً إلى معركة الحديدة التي كانت "قاب قوسين أو أدنى من التحرير" قبل الانسحاب المفاجئ تحت ذريعة "إعادة الانتشار". هذا النمط يكشف عن تعقيدات إضافية في المشهد السياسي والعسكري اليمني.

استنتاجات المحقق: دروس من انهيار تحالف سياسي

النمط العام الذي يكشف عنه الحدث اليمني ليس فريداً في التاريخ السياسي الحديث. الجماعات المسلحة التي تصل للسلطة عبر الانقلابات كثيراً ما تستخدم الأحزاب التقليدية كأدوات انتقالية قبل التخلص منها نهائياً. ما يميز الحالة اليمنية هو الطريقة المنهجية والتدريجية في عملية الابتلاع، والاستفادة القصوى من الرأسمال السياسي والتنظيمي للحزب الحليف قبل تدميره من الداخل.

الدروس الاستراتيجية من هذه التجربة متعددة ومهمة للمشهد السياسي العربي. أولاً، خطورة التحالفات مع الجماعات المسلحة ذات الأيديولوجيا الشمولية، حيث تعتبر هذه الجماعات أي شراكة سياسية مرحلة انتقالية نحو السيطرة الكاملة. ثانياً، أهمية الحفاظ على الاستقلالية التنظيمية والمالية للأحزاب السياسية، حيث أن أي اختراق في هذا المجال يمكن أن يؤدي إلى تآكل تدريجي للهوية السياسية المستقلة.

التطبيقات المستقبلية لهذه الدروس تتجاوز الحالة اليمنية لتشمل تحالفات سياسية مماثلة في المنطقة العربية. فهم آليات التلاعب والاستيلاء التدريجي يمكن أن يساعد الأحزاب والحركات السياسية على وضع ضمانات لحماية هويتها واستقلاليتها عند الدخول في تحالفات ضرورية. كما أن تحليل نمط "الديكور السياسي" يوفر أدوات لفهم ديناميكيات السلطة في السياقات الانتقالية والثورية، حيث تصبح الشرعية السياسية سلعة نادرة ومطلوبة من قبل جميع الأطراف المتنافسة على السلطة.

الحالة اليمنية تثبت أن الشراكات السياسية مع الجماعات ذات النزعات الشمولية ليست مجرد تحالفات مؤقتة، بل هي في الواقع عمليات استيلاء بطيئة ومنهجية. البيان المؤتمري الأخير والاعتقالات المصاحبة له لا تمثل حدثاً منفرداً، بل هي الخاتمة الطبيعية لمسلسل طويل من التآكل التدريجي للاستقلالية السياسية. هذا الدرس، المكتوب بمداد المعاناة اليمنية، يجب أن يكون مرجعاً لأي تفكير مستقبلي في التحالفات السياسية مع القوى المسلحة في المنطقة العربية.

آخر الأخبار

عاجل: بنكان في عدن يبدآن صرف مرتبات متراكمة لآلاف الموظفين - العمالقة وثلاث محافظات تستلم أموالها!

عاجل: بنكان في عدن يبدآن صرف مرتبات متراكمة لآلاف الموظفين - العمالقة وثلاث محافظات تستلم أموالها!

فريق التحرير منذ أسبوع
عاجل: أهالي عدن بدون كهرباء 14 ساعة يومياً... والسبب صادم يتعلق بتهريب النفط!

عاجل: أهالي عدن بدون كهرباء 14 ساعة يومياً... والسبب صادم يتعلق بتهريب النفط!

فريق التحرير منذ أسبوع