الرئيسية أخبار جرائم القتل والاختطاف لماذا وصول مسيّرة يمنية لغلاف غزة يعني أن العرب بحاجة لفهم خارطة المقاومة الجديدة الآن

لماذا وصول مسيّرة يمنية لغلاف غزة يعني أن العرب بحاجة لفهم خارطة المقاومة الجديدة الآن

13 نوفمبر 2025
05:55 ص
حجم الخط:
لماذا وصول مسيّرة يمنية لغلاف غزة يعني أن العرب بحاجة لفهم خارطة المقاومة الجديدة الآن

في صباح أمس، انطلقت صفارات الإنذار في غلاف غزة لتعلن وصول رسالة جديدة من على بُعد أكثر من 1800 كيلومتر. مسيّرة يمنية تخترق الأجواء الإسرائيلية، تحمل معها أكثر من مجرد متفجرات - تحمل تساؤلاً جوهرياً حول طبيعة المقاومة في عصر التكنولوجيا، وحول خريطة التضامن الجديدة التي تعيد رسم حدود الصراع في المنطقة. هذا الحدث، رغم بساطته الظاهرية، يطرح سؤالاً مركزياً: لماذا يحتاج العرب اليوم لفهم هذه الخريطة الجديدة للمقاومة؟

السياق الكبير: كيف غيّرت التكنولوجيا قواعد الصراع

المسافة بين صنعاء وغلاف غزة تزيد عن 1800 كيلومتر، مساحة شاسعة تضم صحاري وجبال وحدود دولية متعددة. في الماضي، كانت هذه المسافة حاجزاً طبيعياً يحمي إسرائيل من أي تهديد يمني مباشر، ويجعل التضامن العملي مع فلسطين محدوداً بالخطابات السياسية والدعم المعنوي. لكن التطور التكنولوجي، وبخاصة في مجال الطائرات المسيّرة والصواريخ بعيدة المدى، قد كسر هذا الحاجز الجغرافي بطريقة جذرية.

ما نشهده اليوم ليس مجرد تطور في الأسلحة، بل تحولاً في مفهوم القرب والبعد الاستراتيجي. الجغرافيا، التي كانت تحكم معادلات الصراع لآلاف السنين، أصبحت أقل أهمية أمام قدرة التكنولوجيا على تجاوز المسافات. هذا التغيير لا يقتصر على المنطقة العربية وحدها، بل يعكس اتجاهاً عالمياً نحو "تقليص العالم" تكنولوجياً، حيث تصبح الأزمات المحلية ذات تأثيرات عالمية أسرع وأوسع من أي وقت مضى.

في السياق التاريخي، يمكن مقارنة هذا التطور بالثورات التكنولوجية السابقة التي غيّرت قواعد الحرب - من البارود إلى الطيران إلى الأسلحة النووية. كل ثورة تكنولوجية أعادت تعريف التوازنات الاستراتيجية، ونحن اليوم أمام لحظة مماثلة حيث تعيد التكنولوجيا الحديثة تشكيل خريطة القوة في المنطقة بطرق لم تكن متصورة قبل عقد واحد فقط.

الزاوية الإنسانية: عندما يصبح الألم محرّكاً للعمل

لكن وراء هذا التطور التكنولوجي تكمن قصة إنسانية مؤلمة. منذ أن دمرت الغارات الإسرائيلية مطار صنعاء الدولي في نهاية مايو الماضي، وتحديداً الطائرة اليمنية الأخيرة العاملة فيه، انقطع الشعب اليمني عن العالم جوياً. هذا الانقطاع لم يكن مجرد إزعاج لوجستي، بل تحول إلى مأساة إنسانية حقيقية حين بدأ المرضى اليمنيون في الموت بسبب عدم قدرتهم على السفر للعلاج في الخارج.

في هذا السياق الإنساني المؤلم، تحولت المقاومة من مجرد فعل سياسي أو عسكري إلى ضرورة بقاء. عندما يُمنع شعب كامل من الوصول للعلاج الطبي، وعندما تُستهدف البنية التحتية المدنية بشكل منهجي، تصبح المقاومة ليس مجرد خيار سياسي بل استجابة طبيعية لغريزة الحياة. هذا ما فهمه القادة اليمنيون جيداً حين ربطوا نضالهم بالقضية الفلسطينية - لم يكن الأمر مجرد تضامن أيديولوجي، بل إدراك عميق أن المعركة واحدة والعدو واحد.

تصريح خالد الشايف، مدير مطار صنعاء، أن "الغارات الإسرائيلية كانت متعمدة وممنهجة بهدف شل حركة الملاحة الجوية بالكامل وعزل الشعب اليمني عن العالم"، يكشف البُعد الاستراتيجي وراء استهداف المدنيين. إسرائيل لم تكن تستهدف أهدافاً عسكرية فحسب، بل كانت تسعى لخنق الشعب اليمني وإجباره على الانكفاء. لكن النتيجة كانت عكسية تماماً - بدلاً من الانكفاء، تحول الحصار والمعاناة إلى وقود للمقاومة وحافز لتطوير قدرات أكثر تطوراً وبُعداً.

التأثير على المنطقة: ما يعنيه هذا للعرب

وصول مسيّرة يمنية إلى غلاف غزة يحمل رسائل متعددة للمنطقة العربية، أولها أن محور المقاومة لم يعد مجرد شعار أو تحالف سياسي، بل أصبح واقعاً عملياً قادراً على التنسيق والفعل المشترك عبر المسافات الجغرافية الشاسعة. هذا التطور يعني أن إسرائيل لم تعد تواجه جبهات منفصلة ومتناثرة، بل تواجه شبكة مترابطة من المقاومة قادرة على التنسيق والدعم المتبادل.

بالنسبة للأنظمة العربية، هذا التطور يطرح تساؤلات جدية حول فعالية سياسات "التطبيع" و"التهدئة" مع إسرائيل. في الوقت الذي تراهن فيه بعض الأنظمة على أن التعاون مع إسرائيل قد يوفر الاستقرار، تأتي الأحداث لتؤكد أن الصراع مستمر ومتنامٍ، وأن المقاومة تطور قدراتها وتوسع نطاق عملها. هذا يعني أن أي استراتيجية إقليمية تتجاهل واقع المقاومة أو تقلل من قدراتها ستكون استراتيجية ناقصة ومضللة.

للشعوب العربية، هذا الحدث يحمل رسالة أمل ودرساً في الصمود. رغم الحصار والقصف والعزلة، استطاع الشعب اليمني ليس فقط الصمود، بل تطوير قدرات نوعية قادرة على الوصول لقلب الكيان الإسرائيلي. هذا يؤكد أن المقاومة ليست مجرد ردة فعل عاطفية، بل مشروع استراتيجي طويل المدى قادر على التطور والتكيف مع الظروف المتغيرة. كما يؤكد أن التضامن العربي، عندما يتحول من شعارات إلى أفعال ملموسة، يمكن أن يحقق نتائج مؤثرة ومفاجئة للعدو.

الخاتمة: خارطة المقاومة الجديدة ومستقبل المنطقة

ما حدث أمس في غلاف غزة لم يكن مجرد حدث عسكري عابر، بل كان إعلاناً عن ولادة خريطة جديدة للمقاومة في المنطقة العربية. خريطة لا تعترف بالحدود الجغرافية التقليدية، ولا تخضع للحسابات الكلاسيكية للقوة والضعف. خريطة تعتمد على التكنولوجيا والإرادة والتنسيق أكثر من اعتمادها على الجيوش التقليدية والموازين العسكرية الثابتة.

هذه الخريطة الجديدة تتطلب من الجميع - أنظمة وشعوب ومراقبين - إعادة تقييم شاملة لفهمهم للصراع في المنطقة. لم تعد المسألة مجرد صراع محلي بين فلسطينيين وإسرائيليين، أو حتى صراع إقليمي بين العرب وإسرائيل، بل أصبحت جزءاً من معادلة أوسع تشمل محور المقاومة الممتد من اليمن إلى لبنان، ومن العراق إلى فلسطين.

للمتابع العربي، فهم هذه التحولات ليس مجرد ثقافة عامة، بل ضرورة لفهم مستقبل المنطقة التي يعيش فيها. خارطة المقاومة الجديدة ستحدد، إلى حد كبير، شكل التوازنات السياسية والأمنية في السنوات القادمة، وستؤثر على كل شيء من أسعار النفط إلى طرق التجارة الدولية، ومن سياسات الأنظمة المحلية إلى استراتيجيات القوى الدولية في المنطقة.

آخر الأخبار

عاجل: بنكان في عدن يبدآن صرف مرتبات متراكمة لآلاف الموظفين - العمالقة وثلاث محافظات تستلم أموالها!

عاجل: بنكان في عدن يبدآن صرف مرتبات متراكمة لآلاف الموظفين - العمالقة وثلاث محافظات تستلم أموالها!

فريق التحرير منذ أسبوع
عاجل: أهالي عدن بدون كهرباء 14 ساعة يومياً... والسبب صادم يتعلق بتهريب النفط!

عاجل: أهالي عدن بدون كهرباء 14 ساعة يومياً... والسبب صادم يتعلق بتهريب النفط!

فريق التحرير منذ أسبوع