الرئيسية أخبار جرائم القتل والاختطاف الدليل النهائي لليمنيين: كيف تحول قضية جرحى مأرب إلى نموذج للعدالة الاجتماعية

الدليل النهائي لليمنيين: كيف تحول قضية جرحى مأرب إلى نموذج للعدالة الاجتماعية

13 نوفمبر 2025
12:45 ص
حجم الخط:
الدليل النهائي لليمنيين: كيف تحول قضية جرحى مأرب إلى نموذج للعدالة الاجتماعية

في ظاهرة تكشف عن تحدٍ أعمق يواجه اليمن، خرج جرحى الجيش من اجتماع رسمي مع رئيس هيئة الأركان العامة في مأرب، معلنين رفضهم لما اعتبروه "وعوداً فارغة" لا تلبي أدنى احتياجاتهم الأساسية. هذا المشهد، الذي قد يبدو للوهلة الأولى كمجرد احتجاج عادي، يحمل في طياته دروساً عميقة حول كيفية تحويل الأزمات إلى فرص لبناء نظام عدالة اجتماعية حقيقي يليق بتضحيات من دافعوا عن الوطن بأجسادهم.

خريطة الأزمة: فهم المشكلة الحقيقية وراء احتجاج جرحى مأرب

تكشف التفاصيل المتاحة عن مطالب محددة وواضحة طرحها الجرحى: صرف المرتبات المتوقفة منذ أشهر، وتوفير العلاج الطبي اللازم، وتسفير الحالات الحرجة للعلاج في الخارج، وتسوية أوضاعهم أسوة بزملائهم في المحافظات الأخرى. هذه المطالب ليست ترفاً، بل حقوق أساسية كفلها الدستور والقانون لمن ضحوا بصحتهم دفاعاً عن الوطن.

الوعود المحدودة التي قدمها رئيس هيئة الأركان - صرف راتبين بعد نصف شهر وإكرامية بعد ثلاثة أشهر وتسفير خمسين جريحاً فقط من أصل مئة وخمسين - تعكس مقاربة جزئية لا تعالج جذور المشكلة. فالقضية تتجاوز الحلول المؤقتة إلى ضرورة إنشاء نظام متكامل ومستدام لرعاية الجرحى يضمن كرامتهم ويحفظ حقوقهم.

المقارنة بين وضع جرحى مأرب وزملائهم في المحافظات الأخرى تشير إلى خلل في التوزيع العادل للموارد والخدمات، مما يخلق شعوراً بالظلم والتمييز. هذا التفاوت ليس مجرد مشكلة إدارية، بل يعكس غياب رؤية شاملة لرعاية المحاربين القدامى تأخذ بعين الاعتبار التوزيع الجغرافي والاحتياجات المحددة لكل منطقة. الجذور العميقة للمشكلة تكمن في البنية المؤسسية الحالية وآليات الرعاية التي تفتقر إلى الاستمرارية والشمولية والعدالة في التطبيق.

دروس من النجاحات: نماذج إقليمية وعالمية في رعاية المحاربين القدماء

تقدم التجارب الناجحة في دول المنطقة دروساً قيمة يمكن الاستفادة منها. في دولة الإمارات العربية المتحدة، تم تطوير نظام متكامل لرعاية أسر الشهداء والجرحى من خلال مؤسسة زايد العليا لأصحاب الهمم ومؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للأعمال الخيرية والإنسانية، حيث يحصل المستفيدون على رواتب شهرية ثابتة، وتأمين صحي شامل، وفرص تأهيل وتدريب، وحتى سكن مناسب.

في المملكة العربية السعودية، تشرف وزارة الحرس الوطني على برنامج شامل لرعاية المصابين العسكريين يتضمن أفضل الممارسات في أنظمة التأمين الصحي العسكري، حيث يتم توفير العلاج في أفضل المستشفيات المحلية والدولية دون تحمل المريض أي تكاليف. كما يشمل البرنامج إعادة التأهيل المهني وضمان استمرار الخدمة في أدوار مناسبة لقدرات كل فرد.

الأردن طور نماذج مبتكرة للشراكة بين القطاع العام والخاص في توفير العلاج المتخصص، حيث تتعاقد المؤسسة العسكرية مع مستشفيات خاصة محلية ودولية لضمان حصول الجرحى على أفضل رعاية ممكنة. آليات المتابعة والمساءلة في هذه النماذج تتضمن لجان مراجعة دورية، ونظم تقييم الأداء، وآليات تلقي الشكاوى والاقتراحات، مما ضمن استدامة الحلول وتطويرها المستمر.

خارطة طريق العدالة: خطة عمل متدرجة لحل أزمة الجرحى

المرحلة الأولى تتطلب استجابة فورية للاحتياجات الطارئة خلال الشهر الأول. يجب تشكيل لجنة طوارئ عليا برئاسة عضو من مجلس القيادة الرئاسي تضم ممثلين من وزارات الدفاع والمالية والصحة والشؤون الاجتماعية، مع تخصيص ميزانية طوارئ لصرف رواتب الجرحى المتأخرة فوراً. كما يتطلب الأمر إنشاء مستشفى ميداني مؤقت في مأرب مجهز بكوادر طبية متخصصة لتقديم الرعاية الأولية للحالات العاجلة.

المرحلة الثانية تركز على التنظيم المؤسسي خلال ثلاثة إلى ستة أشهر. هنا يتم إنشاء "الهيئة الوطنية لرعاية الجرحى والمحاربين القدامى" كمؤسسة مستقلة تتمتع بشخصية اعتبارية وميزانية منفصلة، وتطوير نظام معلومات إلكتروني شامل يوثق حالة كل جريح واحتياجاته الطبية والاجتماعية والمهنية. التنسيق مع منظمة الصحة العالمية والصليب الأحمر الدولي لتقديم الدعم التقني والطبي أمر حيوي في هذه المرحلة.

المرحلة الثالثة تهدف إلى بناء نظام شامل للرعاية والتأهيل خلال سنة إلى سنتين. يشمل ذلك إنشاء مراكز تأهيل متخصصة في المحافظات الرئيسية، وتطوير برامج التدريب المهني والتعليم التقني للجرحى القادرين على العمل، وإقامة شراكات مع الجامعات المحلية والدولية لتقديم برامج تعليمية مخصصة. آليات التمويل المستدام تتطلب تنويع المصادر من خلال رسوم على الخدمات الحكومية، ونسبة من عائدات النفط والغاز، وصندوق للتبرعات المحلية والدولية، والشراكات الاستراتيجية مع دول الخليج والمجتمع الدولي.

أدوات التنفيذ: كيف يمكن لكل طرف المساهمة في الحل

دور الحكومة والقيادة العسكرية يتضمن مسؤوليات مباشرة وآليات تنفيذية واضحة. يجب على الحكومة إعلان رعاية الجرحى كأولوية وطنية قصوى وتخصيص 5% من الميزانية العامة لهذا الغرض. القيادة العسكرية مطالبة بتطوير بروتوكولات طبية موحدة لعلاج الجرحى وإنشاء وحدات طبية متخصصة في كل محافظة، مع ضمان التنسيق المباشر مع المستشفيات المدنية والدولية.

المجتمع المدني والمنظمات الخيرية يمكنها سد الفجوات من خلال تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للجرحى وأسرهم، وتنظيم حملات توعية مجتمعية حول حقوق الجرحى وواجب المجتمع تجاههم، وتطوير برامج الدعم الأسري والتأهيل المجتمعي. هذه المنظمات يمكنها أيضاً لعب دور المراقب المستقل لضمان تنفيذ البرامج وجودة الخدمات المقدمة.

القطاع الخاص له دور حيوي في توفير فرص العمل والخدمات الطبية من خلال تطوير برامج التوظيف المخصصة للجرحى المؤهلين، وتقديم خدمات طبية متخصصة بأسعار مدعومة، والاستثمار في تقنيات الأطراف الصناعية وأدوات المساعدة. الشركات الكبرى يمكنها تبني برامج المسؤولية الاجتماعية المخصصة للجرحى وإنشاء صناديق دعم مستدامة.

المواطنون والإعلام يلعبان دوراً محورياً في المتابعة والمساءلة الإيجابية من خلال رصد تنفيذ البرامج والإبلاغ عن أي تقصير، ودعم الحملات التوعوية وبرامج التبرع، والضغط السلمي على المسؤولين لضمان استمرار الاهتمام بقضية الجرحى. الإعلام مطالب بتسليط الضوء على القصص الإيجابية والحلول المبتكرة بدلاً من التركيز فقط على المشاكل.

من مأرب إلى كل اليمن: تعميم النموذج وضمان الاستدامة

تطبيق الحلول المطورة في مأرب على باقي المحافظات يتطلب مقاربة مرنة تأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات المحلية والإمكانيات المتاحة. يمكن البدء بالمحافظات التي تضم أعداداً كبيرة من الجرحى مثل تعز والحديدة وصعدة، مع تطوير نماذج مصغرة من البرامج الشاملة تتناسب مع الموارد المحلية. التجربة في كل محافظة يجب أن توثق بعناية لاستخلاص الدروس وتطوير أفضل الممارسات.

آليات المراقبة والتقييم ضرورية لضمان عدم تكرار الأزمة وتشمل إنشاء نظام مؤشرات أداء واضح يقيس رضا الجرحى ونوعية الخدمات المقدمة وسرعة الاستجابة للشكاوى. يجب إجراء مراجعات دورية ربع سنوية وتقييم سنوي شامل يشارك فيه الجرحى أنفسهم والمجتمع المدني والخبراء المستقلون. هذه المراجعات يجب أن تكون شفافة ونتائجها متاحة للجمهور.

بناء ثقافة مؤسسية جديدة تضع رعاية الجرحى كأولوية وطنية يتطلب تغييراً في المناهج التعليمية لتتضمن التربية الوطنية حول قيمة التضحية وحقوق المحاربين، وتدريب الموظفين الحكوميين على التعامل المهني والإنساني مع الجرحى، وإدماج قصص الجرحى الملهمة في الثقافة الشعبية والإعلامية. كما يتطلب الأمر تطوير طقوس وتقاليد وطنية تكرم الجرحى وتعترف بتضحياتهم.

الرؤية المستقبلية تتطلع إلى نظام رعاية يليق بتضحيات المدافعين عن الوطن، نظام يضمن العيش بكرامة والمشاركة الفاعلة في بناء المجتمع، ويحول الجرحى من عبء إلى طاقة إنتاجية مؤثرة. هذا النظام يجب أن يكون مستداماً مالياً، وشاملاً جغرافياً، ومرناً بما يكفي للتكيف مع المتغيرات المستقبلية. الهدف النهائي هو جعل اليمن نموذجاً إقليمياً في رعاية المحاربين القدامى، بدلاً من أن يكون مثالاً على إهمالهم.

القضية التي بدأت بانسحاب محبط من اجتماع في مأرب يمكن أن تصبح نقطة تحول تاريخية نحو بناء نظام عدالة اجتماعية حقيقي في اليمن. الطريق واضح والأدوات متاحة والنماذج الناجحة موجودة. ما يحتاجه الأمر هو إرادة سياسية صادقة وتعبئة مجتمعية واعية ومتابعة إعلامية مسؤولة. جرحى مأرب لا يطالبون بالمستحيل، بل بحقوق أساسية يستحقونها بجدارة. وتحقيق هذه الحقوق لن يكون مجرد انتصار لهم، بل نصر لكل القيم التي دافعوا عنها بأجسادهم وتضحياتهم.

آخر الأخبار

عاجل: بنكان في عدن يبدآن صرف مرتبات متراكمة لآلاف الموظفين - العمالقة وثلاث محافظات تستلم أموالها!

عاجل: بنكان في عدن يبدآن صرف مرتبات متراكمة لآلاف الموظفين - العمالقة وثلاث محافظات تستلم أموالها!

فريق التحرير منذ أسبوع
عاجل: أهالي عدن بدون كهرباء 14 ساعة يومياً... والسبب صادم يتعلق بتهريب النفط!

عاجل: أهالي عدن بدون كهرباء 14 ساعة يومياً... والسبب صادم يتعلق بتهريب النفط!

فريق التحرير منذ أسبوع