في تطور صادم هز أسواق محافظة عدن، سجلت أسعار الأسماك ارتفاعاً جنونياً لم يشهده اليمن منذ عقود، حيث وصل سعر كيلو الديرك إلى 24 ألف ريال يمني - مبلغ يكفي لإطعام أسرة كاملة لأسبوع كامل! هذا الانفجار السعري المرعب حول السمك من غذاء شعبي أساسي إلى رفاهية لا يقدر عليها إلا الأثرياء، بينما تقف آلاف الأسر اليمنية محرومة من البروتين الأساسي في ظل أزمة غذائية تطرق أبوابها بقوة.
في أسواق عدن العتيقة، تحولت أكشاك بيع السمك إلى متاحف للأسعار المستحيلة، حيث يصرخ التجار بأرقام تصدم المتسوقين: السخلة بـ16 ألف ريال، الثمد بـ10 آلاف، والبياض وصل لـ8 آلاف ريال للكيلو الواحد. أم محمد، ربة منزل تبلغ 45 عاماً وأم لخمسة أطفال، تقف أمام أحد الأكشاك وتقول بحسرة: "أطفالي لم يتذوقوا السمك منذ شهرين، هذه الأسعار جنون لا نستطيع تحمله." نظرات الحسرة في عيون الأمهات والحيرة في وجوه الآباء تعكس مأساة حقيقية تعيشها الأسر اليمنية.
منذ بداية الأزمة اليمنية عام 2014، والأسعار في تصاعد مستمر، لكن هذا الارتفاع كسر كل الحدود المعقولة. نقص الوقود الذي ارتفع سعره 400%، وتراجع قيمة الريال اليمني، وقلة المعروض السمكي خلقت عاصفة مثالية دفعت بالأسعار إلى مستويات خيالية. الحاج سالم، صياد مخضرم يبلغ 60 عاماً، يروي معاناته: "الوقود وحده يكلفني 100 ألف ريال للرحلة الواحدة، كيف أبيع السمك بأسعار رخيصة؟" الخبير الاقتصادي د. عبدالله الحميري يحذر قائلاً: "نحن أمام انهيار كامل في النظام الغذائي إذا لم تتدخل الجهات المسؤولة فوراً."
العائلات اليمنية تودع السمك نهائياً من موائدها، والأطفال يسألون بطراوة: "متى سنأكل سمكاً مرة أخرى يا ماما؟" أحمد العدني، صاحب مطعم شعبي يبلغ 35 عاماً، اضطر لاتخاذ قرار مؤلم: "حذفت جميع أطباق السمك من قائمة الطعام، الزبائن لا يستطيعون دفع هذه الأسعار الجنونية." خبراء التغذية يدقون ناقوس الخطر محذرين من نقص حاد في البروتين يهدد نمو الأطفال ومناعة كبار السن، بينما تبحث الأمهات يائسات عن بدائل بروتينية ميسورة كالعدس والحبوب. المشهد في الأسواق مؤلم: أكشاك شبه فارغة، وجوه متعبة، ورائحة البحر الممزوجة بعبق الحسرة في أسواق عدن العتيقة.
بين أسعار خيالية وأسر محرومة وقطاع سمكي على حافة الانهيار، تقف عدن والمحافظات الساحلية أمام أزمة غذائية حقيقية لا تحتمل التأجيل. السؤال المؤلم ليس متى ستنخفض الأسعار، بل هل ستجد الأسر ما تأكله غداً؟ الوقت ينفد أمام تدخل عاجل لإنقاذ ملايين اليمنيين من مجاعة بروتينية وشيكة. في بلد محاط بالبحر من ثلاث جهات، كيف أصبح السمك حلماً بعيد المنال لأطفال لم يعرفوا طعم البحر منذ شهور؟
