في تطور صادم يكشف عمق الأزمة الاقتصادية في اليمن، تكشف أسعار صرف العملة اليوم عن فجوة مرعبة تصل إلى 1084 ريال يمني بين سعر الدولار الواحد في صنعاء وعدن. هذا يعني أن المواطن في صنعاء يحتاج إلى ثلاثة أضعاف المبلغ لشراء نفس السلعة المستوردة مقارنة بقريبه في عدن، في مشهد يشبه انقسام الماركين الألمانيين أثناء الحرب الباردة.
في شوارع صنعاء المكتظة، يقف أحمد المقطري، الموظف الحكومي، أمام محل الصرافة وهو يحسب راتبه الشهري الذي تبخر نصفه خلال عامين. "كنت أشتري حاجياتي الشهرية بـ 100 ألف ريال، اليوم لا تكفي 300 ألف"، يقول بمرارة واضحة في عينيه. بينما في عدن، يحتفل محمد العدني التاجر باستقرار نسبي مكّنه من توسيع تجارته، مستفيداً من إجراءات البنك المركزي الناجحة في ضبط التقلبات.
خلف هذا الانقسام المالي المدمر تكمن جذور الأزمة في انقسام النظام المصرفي اليمني منذ بداية الحرب الأهلية عام 2014. السيطرة السياسية المختلفة على البنوك المركزية، إلى جانب نقص حاد في العملة الصعبة والمضاربات الجشعة، خلقت هذا الوضع الكارثي. د. سالم الاقتصادي، خبير النقد الدولي، يحذر: "هذا الانقسام يدمر الاقتصاد اليمني من الجذور، وكل يوم تأخير يعني المزيد من المعاناة للمواطنين".
في حضرموت، تجلس فاطمة الحضرمية أمام هاتفها وهي تحسب المبلغ الذي ستحوله لأقاربها في صنعاء، صادمة من أن 1000 ريال سعودي تساوي 427 ألف ريال في مدينتها بينما تتحول إلى 140 ألف فقط عند وصولها لصنعاء. هذا التفاوت الجنوني يعني أن التجارة بين المناطق اليمنية أصبحت شبه مستحيلة، والأسوأ من ذلك أن ملايين اليمنيين باتوا محاصرين اقتصادياً في مناطقهم، غير قادرين على الانتقال أو حتى تحويل مدخراتهم.
مع استمرار هذا التشرذم الاقتصادي المدمر، يواجه اليمن خطر الانهيار الكامل للنسيج الاقتصادي، حيث تتحول مناطق البلد الواحد إلى جزر اقتصادية منعزلة. الخبراء يدقون ناقوس الخطر مطالبين بتدخل دولي عاجل لتوحيد النظام المصرفي قبل فوات الأوان. السؤال المصيري الذي يطرح نفسه: إلى متى سيصمد الشعب اليمني أمام هذا التشرذم الاقتصادي الذي يسرق أحلامه كل يوم؟
