في مشهد يبدو وكأنه من عالم موازٍ، يحمل الدولار الواحد ثلاث قيم مختلفة في اليمن في نفس اللحظة - ظاهرة اقتصادية مرعبة تحدث للمرة الأولى في التاريخ الحديث! الريال اليمني الذي فقد 754% من قيمته خلال عقد واحد فقط، يواصل صموده الهش في عدن بينما ينهار كلياً في صنعاء، في انقسام نقدي يهدد بتمزيق ما تبقى من الاقتصاد اليمني إلى شظايا.
الأرقام تصرخ بالكارثة: 1632 ريال مقابل دولار واحد في عدن، و524 ريال فقط في صنعاء - فجوة مدمرة تبلغ 1108 ريال تعكس عمق الانقسام الاقتصادي. أحمد المحضار، موظف حكومي من عدن، يروي مأساته بصوت مختنق: "راتبي 80 ألف ريال لا يكفي لشراء 50 دولاراً، أصبحت أحمل حقيبة كاملة لشراء كيس أرز واحد!" هذا بينما يحارب د. محمد الأهدل، محافظ البنك المركزي في عدن، معركة يائسة ضد المضاربين الذين يتلاعبون بقوت الشعب اليمني.
الجذور الدامية لهذه الأزمة تمتد إلى عام 2015، حين بدأ الريال رحلته الجهنمية من 215 ريال للدولار إلى الهاوية الحالية. الحرب الاقتصادية أشد فتكاً من الحرب العسكرية - فالانقسام السياسي خلق منطقتين نقديتين منفصلتين، نقص العملة الصعبة يخنق التجارة، والمضاربات تنهش ما تبقى من قيمة الريال. د. عبدالله المخلافي، خبير الاقتصاد النقدي، يحذر بقسوة: "نحن أمام انهيار أسوأ من أزمة زيمبابوي، لكن بوتيرة أبطأ تضاعف الألم يومياً."
في الشوارع اليمنية، تتحول الحياة اليومية إلى كابوس محض. فاطمة عبدالله، ربة بيت من تعز، تصف مأساتها: "أصبحت أحسب ثمن الخبز بالدولار، وأحتاج آلة حاسبة لشراء الخضار!" المشهد في محال الصرافة يحبس الأنفاس: كتل ضخمة من الأوراق المتهالكة، طوابير مواطنين قلقين، ورائحة اليأس تملأ المكان. الخبراء يتوقعون الأسوأ: مزيد من الفقر المدقع، هجرة جماعية للكوادر، وتحول اليمن لاقتصاد بلا هوية نقدية حقيقية.
الساعات القادمة حاسمة. الريال اليمني يقف على حافة الهاوية، وكل يوم تأخير في الحلول الجذرية قد يعني فقدان 10% إضافية من مدخرات ملايين اليمنيين. على المواطنين اتخاذ قرارات مصيرية فورية: تحويل المدخرات للذهب، تجنب الاحتفاظ بمبالغ كبيرة بالريال، ومتابعة الأسعار لحظة بلحظة. السؤال المرعب يطرح نفسه: هل سيصمد الريال اليمني أم سنشهد انهياراً تاماً يحول اليمن لأول دولة في التاريخ الحديث بلا عملة وطنية؟