في واحدة من أكبر الكوارث الاقتصادية في التاريخ الحديث، فقد الريال اليمني 650% من قيمته منذ بداية الحرب، ليصبح الراتب الحكومي الشهري لا يتجاوز 31 دولاراً أمريكياً فقط - أقل من ثمن وجبة واحدة في مطعم متوسط بدبي. هذا انهيار تاريخي يدمر حياة 30 مليون يمني، وكل يوم تأخير يعني المزيد من الأطفال الجياع والمرضى المحرومين من الدواء.
في صباح الخميس 4 ديسمبر 2025، سجل الدولار الأمريكي قفزة جديدة ليصل إلى 1632 ريالاً يمنياً، مقابل 428 ريال للريال السعودي و1478 ريال لليورو. أم سارة، معلمة تبلغ من العمر 35 عاماً وتتقاضى راتباً قدره 50 ألف ريال شهرياً، تحكي مأساتها: "راتب الشهر كاملاً لا يكفي لشراء حليب لطفلي الرضيع لأسبوع واحد". هذا الرقم المرعب يعكس حجم المأساة التي يعيشها شعب بأكمله تحت وطأة انهيار اقتصادي لم يشهد له التاريخ مثيلاً.
جذور هذه الكارثة تعود إلى عام 2015 مع بداية الحرب التي أوقفت 90% من إيرادات البلاد المتمثلة في صادرات النفط، بينما أدى انقسام البنك المركزي إلى فوضى مالية عارمة. د. محمد الهمداني، الخبير الاقتصادي، يحذر قائلاً: "نشهد انهياراً اقتصادياً تاريخياً قد يستغرق عقوداً للتعافي منه، هذا أسوأ من انهيار العملة الألمانية في 1923". النقص الحاد في السيولة الأجنبية جعل العملة اليمنية كمن يحمل كيساً مثقوباً، كلما مرت الأيام فقدت المزيد من قوتها.
المأساة الحقيقية تكمن في تأثير هذا الانهيار على حياة المواطنين اليومية. أحمد علي، الصيدلي في صنعاء، يروي مشهداً مؤلماً: "المرضى يأتون إلي ويقسمون الحبة الواحدة لثلاثة أجزاء لإطالة مدة العلاج". في الأسواق، تملأ أصوات الأطفال الجياع الأزقة، بينما تقف الأمهات حائرات أمام أرفف فارغة من الحليب والأدوية. الآلاف من الطلاب انقطعوا عن التعليم عجزاً عن سداد الرسوم، في حين تستعد موجة جديدة من الهجرة لتدمير ما تبقى من النسيج الاجتماعي.
الخبراء يحذرون من سيناريوهات كارثية قادمة: انهيار كامل للعملة، مجاعة واسعة قد تطال ملايين اليمنيين، وتفكك كامل للخدمات الصحية والتعليمية. هذا سباق مع الزمن، والمجتمع الدولي مطالب بالتدخل الفوري لإنقاذ شعب كامل من الانزلاق نحو الهاوية. هل سيصمت العالم حتى انهيار آخر حضارة في التاريخ؟ أم سيتدخل قبل فوات الأوان؟