في صدمة اقتصادية لم يشهدها العالم الحديث، يعيش اليمن اليوم كارثة نقدية حقيقية حيث يتداول الدولار الواحد بـ 535 ريال في صنعاء مقابل 1632 ريال في عدن - فرق يزيد عن 310% لنفس العملة في نفس البلد! هذا يعني أن دولارك الواحد يمكن أن يشتري لك وجبة غداء فاخرة في الشمال أو قطعة خبز فقط في الجنوب. كل يوم تأخير يعني خسارة مئات الريالات لكل معاملة مالية، في أزمة تهدد بتمزيق النسيج الاقتصادي لليمن إلى الأبد.
أحمد المحمدي، موظف حكومي في صنعاء، يعيش هذه المأساة يومياً: "راتبي 100 دولار شهرياً يساوي 53,500 ريال هنا، لكن لو سافرت لعدن فقيمته تنخفض إلى ما يعادل 32,700 ريال فقط". الفرق البالغ 1097 ريال لكل دولار واحد يساوي راتب موظف كامل لشهر واحد، في مشهد يذكرنا بألمانيا الشرقية والغربية لكن داخل بلد واحد. عبدالله التاجر يروي معاناته: "أضطر لحمل حقائب من النقود عند التنقل بين المحافظات لنفس قيمة المعاملة، وكأنني أحمل أوراقاً ملونة لا قيمة لها".
بدأت هذه الأزمة مع تقسيم البنك المركزي إلى فرعين منفصلين عام 2016، وتفاقمت مع الصراع المستمر وانقطاع التدفقات المالية بين المناطق. السيطرة المختلفة على موارد النفط والعقوبات الدولية وطباعة العملة دون غطاء حولت اليمن إلى مختبر اقتصادي مرعب. د. محمد العامري، الخبير الاقتصادي اليمني، يحذر: "هذا الوضع يهدد النسيج الاقتصادي والاجتماعي لليمن، وقد نشهد انهياراً كاملاً للنظام النقدي إذا استمر الحال". الوضع أسوأ من أزمة لبنان الاقتصادية بصورة أكثر تعقيداً وحدة.
في الشوارع اليمنية، تسمع أصوات آلات عد النقود في محلات الصرافة وهمهمات التجار وهم يحسبون فروق الأسعار المجنونة. المواطن العادي يحتاج لآلة حاسبة معقدة لفهم قيمة نقوده عند التنقل، والأسر تعاني من تضخم حاد يجعل شراء الحاجات الأساسية مغامرة محفوفة بالمخاطر. فاطمة الصراف، التي استطاعت بناء عملها من استغلال فروق الأسعار بأمانة، تقول: "نحن نشهد تفكك الوحدة الاقتصادية للبلد، والناس تفقد مدخراتها بمجرد الانتقال من محافظة لأخرى". التوقعات تشير لاستمرار تراجع القدرة الشرائية وهجرة العقول والرساميل.
هذا الانقسام النقدي المرعب يعكس انقساماً سياسياً عميقاً يهدد مستقبل اليمن الاقتصادي والاجتماعي بالكامل. الحل يكمن في توحيد السياسات النقدية كجزء من تسوية سياسية شاملة، قبل أن يصبح اليمن أول دولة في العالم تعيش بعملتين مختلفتين بشكل دائم. على المجتمع الدولي التدخل السريع لمنع الانهيار الكامل للاقتصاد اليمني. السؤال المصيري الآن: هل ستعود الوحدة الاقتصادية قبل فوات الأوان، أم أن اليمن محكوم عليه بالعيش في عالم من عملتين متصارعتين؟