في مشهد صادم يكشف عمق الأزمة الإنسانية التي تعصف باليمن، يواجه 270 يوماً... تسعة أشهر كاملة بدون راتب واحد! مئات الإعلاميين والموظفين في المؤسسات الإعلامية الرسمية بعدن واقعاً مريراً لا يطاق. هؤلاء الذين يصنعون الرأي العام ويبثون أخبار الوطن للعالم، باتوا يعيشون تحت خط الفقر، في أزمة قد تنهي الإعلام الرسمي اليمني إلى الأبد إذا لم تتدخل الحكومة فوراً.
أحمد، أب لأربعة أطفال ومذيع في الإذاعة الرسمية، يروي مأساته بصوت مختنق: "عاجز عن دفع إيجار المنزل منذ 6 أشهر، وأطفالي يسألونني يومياً عن الطعام ولا أملك جواباً." هذه ليست مجرد قصة فردية، بل واقع مئات العائلات التي تعتمد على رواتب لم تعد موجودة. الأرقام تصرخ بالمأساة: 730 يوماً من المعاناة المستمرة، حيث تحول العمل من مصدر كرامة إلى عبء يومي ثقيل على كواهل منهكة.
خلف هذه الأزمة الإنسانية تكمن مأساة أعمق، فالحكومة اليمنية التي ركزت مواردها المحدودة على الجهود العسكرية، تجاهلت تماماً القطاع الإعلامي الذي يُعد صوتها الرسمي أمام العالم. د. محمد النقابي، خبير الشؤون الإعلامية، يحذر قائلاً: "هذه أسوأ أزمة يمر بها الإعلام اليمني، وهي أشد فتكاً من أزمة الإعلام العراقي بعد 2003." الوضع أشبه بمن يُطلب منه الغناء وهو عطشان، فكيف يمكن لإعلامي أن يؤدي رسالته وهو يصارع الجوع وعدم القدرة على الوصول لمقر عمله؟
فاطمة، المذيعة الشابة التي تواصل عملها رغم عدم تلقي راتبها لتسعة أشهر، تمثل نموذجاً للصمود الذي يشبه ثبات الجبال أمام العواصف. بينما سالم، التقني المخضرم، اضطر لبيع ممتلكاته الشخصية ليستطيع تأمين أجرة المواصلات للوصول إلى الاستوديو شبه المهجور. هذا الواقع المؤلم ينذر بانهيار كامل للإعلام الرسمي، مما قد يترك اليمن بلا صوت رسمي في وقت تشتد فيه الحاجة لتوحيد الخطاب الإعلامي ومواجهة الشائعات والأخبار المضللة.
الحلول ليست مستحيلة، لكنها تتطلب إرادة سياسية حقيقية وتدخلاً عاجلاً من مجلس القيادة الرئاسي. صرف المتأخرات خلال أسبوعين قد يُنقذ ما يمكن إنقاذه، بينما استمرار الإهمال سيعني فقدان اليمن لأهم أدواتها الإعلامية في أحلك الظروف. السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: هل ستفقد اليمن صوتها الإعلامي الرسمي إلى الأبد، أم أن هناك بصيص أمل في الأفق؟