في تطور صادم يكشف عمق الأزمة الإنسانية في اليمن، يواصل مئات الإعلاميين والموظفين في المؤسسات الإعلامية الرسمية معاناة قاسية امتدت لـ270 يوماً متواصلاً دون تقاضي رواتبهم. هؤلاء الأبطال الصامتون يبثون الأخبار بأصوات جائعة وقلوب منكسرة، في مشهد يجسد أقسى معاني التضحية المهنية. كل يوم تأخير يعني فقدان كادر إعلامي مدرب إلى الأبد، في بلد يحتاج لكل صوت حر ومهني.
أحمد الصحفي، أب لثلاثة أطفال، يمشي 5 كيلومترات يومياً للوصول إلى مقر عمله لأنه لا يملك أجرة المواصلات. "نعمل بكرامة رغم الجوع"، يقول بصوت متهدج وهو يروي كيف باعت زوجته مجوهراتها الوحيدة لتوفير الطعام لأطفالهم. فاطمة المذيعة تواصل تقديم النشرة الإخبارية بابتسامة مصطنعة، رغم عدم قدرتها على شراء الحليب لطفلها الرضيع. هذا المشهد المأساوي يتكرر في مئات البيوت، حيث تفترش أسر الإعلاميين الشوارع وتُداس كرامتهم تحت أقدام اللامبالاة.
الجذور العميقة لهذه المأساة تمتد إلى انهيار الاقتصاد اليمني منذ بداية الحرب في 2014، حين انهارت الإيرادات الحكومية وتحولت أولويات الإنفاق نحو المجهود الحربي. د. سالم الاقتصادي، خبير الشؤون المالية، يحذر قائلاً: "توقف رواتب الإعلاميين يعني موت الرسالة الإعلامية في بلد يحتاج لكل صوت حر". المقارنة مع أزمات إعلامية مشابهة في دول أخرى شهدت حروباً تُظهر أن اليمن على شفا فقدان منظومته الإعلامية بالكامل، مثلما حدث في ليبيا والعراق.
التأثير المدمر لهذه الأزمة يتجاوز الأرقام إلى حيوات حقيقية تتحطم يومياً. مريم، زوجة إعلامي، تروي بدموع كيف اضطرت لسحب أطفالها من المدرسة لعدم قدرتها على دفع الرسوم. آلاف الأطفال محرومون من التعليم والطعام، بينما آباؤهم يواصلون خدمة المجتمع دون مقابل. الخبراء يتوقعون هجرة جماعية للكوادر الإعلامية المدربة، مما سيترك اليمن بلا أصوات مهنية في وقت يحتاج فيه لكل خبرة إعلامية. الفرصة الوحيدة المتاحة تكمن في التدخل الفوري للحكومة والمجتمع الدولي قبل فوات الأوان.
هذه أزمة إنسانية حقيقية تهدد مستقبل الإعلام اليمني وتضع البلد أمام خيار واضح: إما الإنقاذ الفوري أو الانهيار الكامل لمنظومة إعلامية بُنيت عبر عقود. الوقت ينفد بسرعة، والسؤال الذي يؤرق الجميع: هل ستصمت الحكومة حتى يموت آخر صوت إعلامي في اليمن؟ الإجابة ستحدد مصير جيل كامل من الإعلاميين وأسرهم، ومستقبل الحق في المعرفة للشعب اليمني.