في مشهد اقتصادي مذهل لا يحدث إلا في اليمن، يشهد الريال اليمني انقساماً صارخاً يصل إلى فارق 200% في سعر الدولار الواحد بين شمال البلاد وجنوبها. دولة واحدة، عملة واحدة، لكن ثلاثة أسعار صرف مختلفة تماماً تحكي قصة اقتصاد ممزق منذ عقد كامل. كل يوم تأخير في الحل يعني المزيد من الانقسام الاقتصادي الذي قد يصبح مستحيل الإصلاح.
في تعز، تؤكد المصادر المصرفية أن الريال السعودي يصل إلى 425 ريالاً يمنياً، بينما يحلق الدولار الأمريكي عند 1617 ريالاً دون أي تغيير يُذكر. أحمد، التاجر من تعز، يروي معاناته: "أحمل أموالي في حقيبة كبيرة للتنقل، وفي كل منطقة أجد نفسي إما غنياً أو فقيراً حسب سعر الصرف السائد هناك". هذا الاستقرار المؤقت يخفي تحته انقساماً اقتصادياً عميقاً يهدد بتمزيق ما تبقى من الوحدة الاقتصادية.
على الجانب الآخر من خريطة اليمن المقسمة، تحكم سلطات الحوثيين بقبضة حديدية على أسعار الصرف، حيث يُتداول الريال السعودي بـ140 ريالاً فقط مقابل الـ425 في مناطق الحكومة الشرعية. عقد كامل من الحرب حوّل اليمن إلى كوريا عربية منقسمة، لكن بدلاً من الخط المنزوع السلاح، هناك خط اقتصادي يفصل بين عملتين لدولة واحدة. د. عبدالله، الخبير الاقتصادي، يحذر: "هذا الانقسام أخطر من القنابل، لأنه يدمر مستقبل أجيال كاملة".
فاطمة، التاجرة الأربعينية، تواجه كابوساً يومياً: مدخراتها تنكمش وتتضخم حسب المنطقة التي تتواجد فيها. العائلات اليمنية تعيش تحت وطأة اقتصاد مزدوج الشخصية، حيث الحوالة البسيطة من الأب لابنه قد تفقد نصف قيمتها عبور حاجز طريق واحد. المحاولات الحكومية لضبط السوق تصطدم بواقع السيطرة المنقسمة، بينما تستمر الأسواق في التأقلم مع هذا الوضع الشاذ الذي بات طبيعياً في بلد استثنائي.
رغم الاستقرار المؤقت الحالي، يبقى السؤال المصيري معلقاً في الهواء كرائحة البارود: هل سيصمد هذا الاستقرار الهش أمام التحديات القادمة؟ الخبراء يجمعون على أن الحل الوحيد يكمن في إعادة توحيد النظام السياسي أولاً، وإلا فإن اليمن قد يشهد ولادة عملتين منفصلتين نهائياً، مما يعني موت حلم الوحدة الاقتصادية إلى الأبد.
