في صدمة اقتصادية تهز أركان الجزيرة العربية، وصل الفارق في أسعار الذهب بين مدينتين يمنيتين إلى 288% - رقم لم تشهده المنطقة منذ عقود. جرام الذهب عيار 21 الذي يُباع بـ 200 ألف ريال في عدن، لا يتجاوز سعره 51,500 ريال في صنعاء، في مشهد يذكّر بأزمات ألمانيا الاقتصادية بين الحربين العالميتين. خبراء الاقتصاد يحذرون: اليمن على حافة انهيار نقدي كامل قد يعيدها إلى عصر المقايضة.
محمد الحضرمي، موظف حكومي في عدن، يقف أمام واجهة محل الصاغة وعيناه تذرفان دموع اليأس: "كنت أحلم بشراء دبلة زواج، لكن سعر الجرام الواحد يساوي راتبي لثلاثة أشهر". هذا المشهد المأساوي يتكرر يومياً في شوارع عدن، حيث يحول بريق الذهب خلف واجهات المحلات إلى سراب بعيد المنال. الأرقام تصرخ بوحشية الأزمة: فارق 148,500 ريال لنفس الجرام بين مدينتين في بلد واحد، وكأن المسافة بينهما تقاس بسنوات ضوئية اقتصادية.
الجذور العميقة لهذه الكارثة تمتد إلى عام 2014، عندما بدأ الانقسام النقدي يشق اليمن إلى اقتصادين منفصلين. انهيار الريال اليمني، قطع الطرق التجارية، وسيطرة قوى مختلفة على المناطق، كلها عوامل تضافرت لتخلق هذا الوحش الاقتصادي. د. أحمد المالكي، خبير الاقتصاد اليمني، يؤكد: "نشهد تقسيماً اقتصادياً قد يكون أخطر من التقسيم السياسي، فالنقد هو شريان الحياة الاقتصادية". المقارنة مع أزمات عربية مماثلة في لبنان والعراق تظهر أن اليمن يسير نحو هاوية أعمق.
في الشوارع اليمنية، تحولت المناسبات الاجتماعية إلى عبء مدمر. فاطمة القاضي من عدن اضطرت لبيع أساورها الذهبية الوراثية لتغطية تكاليف علاج والدها: "بعت تاريخ العائلة بأبخس الأثمان، لأن الحياة أهم من الذكريات". هذه القصص المؤلمة تتكرر بالآلاف، بينما يحذر الخبراء من سيناريو كابوسي: عودة اليمن إلى نظام المقايضة، حيث كيس القمح يُبادل بجرام ذهب. الأسواق التقليدية تشهد فوضى عارمة، والثقة في النظام النقدي تتآكل يوماً بعد يوم.
الحلول تبدو معقدة كتعقد الأزمة نفسها. توحيد العملة يتطلب حلاً سياسياً شاملاً قد يستغرق سنوات، بينما الوقت ينفد والمواطن اليمني ينزف اقتصادياً. الخيارات المتاحة محدودة: إما تدخل إقليمي عاجل لإنقاذ النظام النقدي، أو مواجهة كارثة اقتصادية ستجعل اليمن أول دولة في القرن الحادي والعشرين تعود إلى عصر ما قبل النقد. السؤال المؤرق يبقى: هل سيشهد جيل جديد من اليمنيين عالماً بلا نقود، حيث الذهب حلم والخبز حقيقة مؤلمة؟
