في ظاهرة اقتصادية تشبه الخيال العلمي، يشهد اليمن انقساماً مالياً صادماً حيث يبلغ الفارق في سعر الدولار الواحد 1094 ريال بين شمال وجنوب البلد - رقم يكفي لإطعام أسرة يمنية لمدة شهر كامل! في نفس اللحظة التي تشتري فيها دولاراً واحداً بـ 536 ريال في صنعاء، تحتاج إلى دفع 1629 ريال للحصول على نفس المبلغ في عدن. خريطة أسعار الصرف اليوم تكشف عن كارثة اقتصادية حقيقية تهدد بتمزيق ما تبقى من الوحدة المالية في البلد.
أحمد المحمدي، موظف حكومي في عدن، يروي معاناته اليومية: "راتبي 200 ألف ريال يساوي 123 دولار فقط، بينما زميلي في صنعاء بنفس الراتب يحصل على 374 دولار". هذا التفاوت الجنوني، الذي يصل إلى 204%، حول الحياة إلى كابوس حقيقي للملايين من اليمنيين. في أسواق الصرافة بعدن، تتعالى أصوات طقطقة الآلات الحاسبة وسط همهمات التذمر من المواطنين الذين يشاهدون مدخرات العمر تتبخر أمام أعينهم. الدولار الأمريكي يتراوح بين 1620-1629 ريال، بينما الريال السعودي يصل إلى 427 ريال، في مؤشر واضح على عمق الأزمة الاقتصادية.
الجذور التاريخية لهذا الانهيار تعود إلى تشطر البنك المركزي اليمني عام 2016، عندما انقسمت السياسة النقدية بانقسام السيطرة العسكرية. د. عبدالله الحميدي، الخبير الاقتصادي، يؤكد: "نحن أمام حالة استثنائية تشبه انقسام ألمانيا الشرقية والغربية، لكن هذه المرة الانقسام اقتصادي بحت". السياسات النقدية المتضاربة بين شطري البلد، إضافة إلى الحصار المفروض وتعطل آليات التجارة، خلقت هذه الفجوة المدمرة. خبراء الاقتصاد يحذرون من أن استمرار هذا الوضع سيؤدي إلى انهيار كامل للنظام المصرفي وتحويل اليمن إلى اقتصاد المقايضة.
فاطمة الشهاري، تاجرة مواد غذائية، تكشف عن المأساة اليومية: "عندما أستورد بضائع من الشمال، أضطر لدفع ضعف السعر بسبب فروقات الصرف". التأثير لا يقتصر على التجار، بل يمتد ليشمل كل مناحي الحياة - من أسعار الأدوية التي ارتفعت 300% إلى تكلفة الوقود والمواد الأساسية. المواطنون يعيشون في قلق دائم، مراقبين لافتات أسعار الصرافة التي تتغير كل ساعة تقريباً. محمد الصرافي، الذي استطاع تحقيق أرباح من هذه الفوضى، يعترف: "الوضع مربح للمضاربين لكنه مدمر للاقتصاد ككل". الحلول المقترحة تشمل التدخل العاجل لتوحيد السياسة النقدية وتطوير أنظمة دفع رقمية تتجاوز العملة التقليدية.
بينما تستمر هذه الأرقام الصادمة في رسم خريطة اقتصادية منقسمة، يبقى السؤال الأهم: هل سيجد اليمنيون طريقة لإنقاذ ما تبقى من اقتصادهم المنهار، أم أن البلد يتجه نحو تقسيم اقتصادي نهائي؟ الوقت ينفد، والمدخرات تتآكل، والحاجة لحلول جذرية تصبح أكثر إلحاحاً مع كل تحديث يومي لأسعار الصرف المجنونة هذه. المواطنون ينصحون بمراقبة الأسعار باستمرار وتنويع مدخراتهم، في انتظار معجزة اقتصادية قد تعيد توحيد السعر قبل فوات الأوان.