في مشهد يعكس عمق الأزمة المالية التي تعصف باليمن، أعلن بنكان تجاريان في عدن عن خطوة استثنائية لإنقاذ آلاف الأسر من معاناة استمرت 90 يوماً كاملاً - تحمل عبء صرف المرتبات المتراكمة لموظفين حكوميين بعد عجز الدولة عن الوفاء بالتزاماتها. الموظفون يهرعون الآن للبنوك خشية نفاد السيولة أو تراجع البنوك عن قرارها الجريء.
يروي أحمد المهندس، موظف مؤسسة الطرق في حضرموت وأب لثلاثة أطفال: "عشت ثلاثة أشهر على الديون، لا أستطيع شراء الدواء لطفلي المريض، كان الوضع كابوساً حقيقياً." بنك عدن الإسلامي أعلن صرف مرتبات ثلاثة أشهر كاملة لموظفي مؤسسة الطرق والجسور، بينما تولى بنك القطيبي صرف رواتب ألوية العمالقة الجنوبية. أربع جهات حكومية في ثلاث محافظات تعتمد الآن على البنوك الخاصة لدفع رواتب موظفيها - مؤشر صادم على انهيار النظام المالي للدولة.
تنبع هذه الأزمة من سنوات الحرب التي دمرت الاقتصاد اليمني منذ 2014، وأدت إلى انقسام المؤسسات المالية ونضوب الخزانة العامة. انهيار العملة المحلية وتراجع الإيرادات النفطية خلق فجوة مالية هائلة عجزت الحكومة عن سدها. د. سالم الاقتصادي يحذر: "هذا ليس حلاً مؤقتاً، بل سابقة خطيرة تشير إلى تفكك الدولة مالياً واعتمادها الكامل على القطاع الخاص في أبسط وظائفها." المشهد يشبه الأيام الأخيرة للدولة العثمانية عندما اضطرت للاعتماد على التجار الأثرياء لدفع رواتب جنودها.
في طوابير البنوك، تبدو الوجوه مزيجاً من الارتياح والقلق. فاطمة، زوجة موظف في مؤسسة المياه، تقول وعيناها تدمعان: "كنت أبكي كل ليلة وأطفالي جائعون، اليوم أشعر أن الفرج قريب." عودة القدرة الشرائية ستنعش الأسواق مؤقتاً، لكن الخبراء يحذرون من انتعاش مخادع قد يتبعه انهيار أعمق. التحدي الأكبر يكمن في استدامة هذا الحل - فالبنوك لا تستطيع تحمل هذا العبء إلى ما لا نهاية، والموظفون باتوا رهائن لسيولة القطاع الخاص بدلاً من ضمانات الدولة.
بينما يحتفل آلاف الموظفين باستلام مرتباتهم المتأخرة، يبقى السؤال الأهم معلقاً في الهواء: إذا عجزت البنوك غداً عن الاستمرار في هذا الدور الإنساني... فمن سينقذ ملايين الموظفين من مصير أسود؟ الحل الحقيقي يتطلب إعادة توحيد النظام المصرفي وإنهاء الحرب، وحتى ذلك الحين، تبقى مصائر الأسر اليمنية معلقة بخيط رفيع من الأمل.