في تطور يعكس عمق المأساة الاقتصادية اليمنية، سجلت أسواق عدن أسعاراً قياسية للدجاج وصلت إلى 8000 ريال للكيلو الواحد - مبلغ يتجاوز راتب موظف حكومي ليوم كامل. بينما تتحدث التقارير عن "استقرار" في الأسعار، تصطدم الأسر اليمنية بحقيقة مؤلمة: وجبة الدجاج أصبحت حلماً بعيد المنال لملايين المواطنين الذين يكافحون لتأمين لقمة العيش.
في أسواق عدن النابضة بالحياة، تروي فاطمة محمد قصة معاناة صامتة وهي تمسك بقائمة تسوق محدودة وتحسب كل ريال بعناية. "كان أطفالي يطلبون الدجاج كل أسبوع، أما الآن فأشتري كيلو واحد فقط في المناسبات الخاصة"، تقول بحسرة واضحة. الأرقام تحكي قصة أعمق: فجوة تصل إلى 3000 ريال بين أرخص نوع دجاج (الجامبو بـ5000 ريال) وأغلاها (الملكي بـ8000 ريال) - فرق يعادل 60% يضع عبئاً إضافياً على كاهل الأسر محدودة الدخل.
الأزمة ليست وليدة اليوم، بل نتاج سنوات من التدهور الاقتصادي المستمر منذ اندلاع الحرب. يؤكد د. محمد الحبيشي، خبير اقتصادي: "أسعار اليوم تعادل 10 أضعاف ما كانت عليه قبل الحرب، والمشكلة تكمن في ضعف سلاسل التوريد وارتفاع تكاليف النقل". الكيلو الواحد من الدجاج الملكي اليوم يكلف أكثر من خزان وقود كامل للدراجة النارية، في مقارنة تظهر انقلاب الأولويات في حياة المواطن اليمني.
التأثير يتجاوز الأرقام ليطال صميم الحياة اليومية للأسر اليمنية. علي حسن، مواطن من عدن، يصف جولته في السوق: "أزور أكثر من محل قبل أن أقرر، وأحياناً أعود للبيت بدون دجاج". الأسر تعيد ترتيب ميزانياتها بالكامل، تقلص وجبات اللحوم إلى المناسبات الخاصة فقط، وتزداد اعتماداً على البقوليات والأسماك كبدائل بروتين أرخص. الخطر الأكبر يكمن في تأثير هذا على تغذية الأطفال، حيث تحذر منظمات الصحة من ارتفاع معدلات سوء التغذية في اليمن.
رغم حديث التجار عن "الاستقرار"، تبقى الأسعار المرتفعة تحدياً حقيقياً يتطلب حلولاً جذرية. الحل يكمن في تطوير الإنتاج المحلي ودعم مشاريع الدواجن الصغيرة، بدلاً من الاعتماد الكامل على الاستيراد. أحمد سالم، تاجر دجاج محلي، يطرح رؤيته: "نحتاج لدعم حقيقي لمزارع الدواجن المحلية، هذا الحل الوحيد لكسر دائرة الأسعار الخيالية". فإلى متى ستبقى وجبة الدجاج حلماً بعيد المنال للأسر اليمنية التي تستحق حياة كريمة؟