في قلب عدن، حيث تصطف أقفاص الدجاج في أسواق تعج بالحركة، شهدت العائلات اليمنية لحظة راحة نادرة بعد أشهر من الكوابيس السعرية. 8000 ريال للكيلو الواحد من الدجاج الملكي - رقم يفوق راتب العامل البسيط لثلاثة أيام، لكن الأسعار استقرت أخيراً، والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل نحن أمام هدوء ما قبل العاصفة؟
تتنوع الأسعار في السوق بين الدجاج الجامبو بـ5000 ريال، والسوبر بـ6000 ريال، فيما يصل الهامور إلى 7000 ريال، والملكي إلى 8000 ريال للكيلو. "أم محمد"، ربة بيت أربعينية، تقف أمام أحد المحلات وهي تحمل محفظتها بيد مرتجفة: "كيلو واحد من الدجاج يكفي لإطعام أسرتي ثلاثة أيام من الأرز والعدس، لكن على الأقل الأسعار لم تعد ترتفع كل يوم." حسن الشميري، تاجر دواجن منذ عقدين، يؤكد أن تفاوت 3000 ريال بين أرخص وأغلى نوع يعكس التحديات الجمة التي تواجه القطاع.
خلف هذا الاستقرار المؤقت، تكمن حقائق مرة عن الوضع الاقتصادي اليمني. ارتفاع الأسعار بنسبة 400% مقارنة بما قبل 2015 جعل شراء الدجاج "مثل شراء الذهب" للأسر اليمنية، كما يصفها د. عبدالله المقطري، الخبير الاقتصادي. تكاليف النقل المرتفعة، وأسعار الأعلاف التي تتأثر بتقلبات سعر الصرف، إضافة إلى التحديات الأمنية، كلها عوامل تجعل من هذا الاستقرار "قنبلة موقوتة قد تنفجر في أي لحظة" حسب تعبير التجار المحليين. أزمة أسعار الوقود في الشهر الماضي كانت مثالاً حياً على كيفية تأثير العوامل الخارجية على أسعار الدواجن بشكل مفاجئ ومدمر.
في بيوت عدن، تعيد الأمهات حساباتهن وتخطط قوائم التسوق بحذر شديد. فاطمة أحمد، مستهلكة في الأربعينيات، تشاركنا تجربتها: "بدلاً من شراء كيلو كامل كما كنت أفعل سابقاً، أصبحت أشتري نصف كيلو فقط وأعتمد أكثر على البقوليات والأسماك." هذا التغيير في عادات الاستهلاك ليس فردياً، بل يعكس واقعاً جديداً تعيشه 60% من الأسر اليمنية التي تنفق معظم دخلها على الطعام. الخبراء يحذرون من أن هذا الاستقرار قد يكون "مؤقتاً ومرهوناً بتطورات قد تحدث في أي لحظة"، مما يضع الأسر أمام تحدي التخطيط لمستقبل غامض.
استقرار مؤقت بأسعار تتراوح بين 5000 و8000 ريال، واقع اقتصادي يفرض على المستهلكين التخطيط المرن وعدم الاعتماد على ثبات الأوضاع. السؤال الذي يؤرق الجميع: ماذا لو ارتفعت الأسعار غداً إلى 10,000 ريال؟ هل نحن مستعدون لمواجهة موجة جديدة من الارتفاعات، أم أن هذا الهدوء فرصة أخيرة للتأقلم مع واقع اقتصادي جديد لا رجعة فيه؟