كشفت دراسة حديثة عن تبنّي جماعة الحوثي لمنظومة أيدولوجية متكاملة تُسهم بشكل مباشر في إطالة أمد النزاع المسلح في اليمن، عبر مجموعة من المرتكزات الفكرية التي تعيد إنتاج الصراع وتعيق فرص الوصول إلى سلام عادل ودائم. ووفقًا للدراسة، فإن هذه الأيديولوجيا لا تقتصر على تشكيل بنية الجماعة الداخلية وضمان ولاء أتباعها، بل تمتد لتشمل فرض تصورات دينية وسياسية واجتماعية تصنع بيئة صراعية دائمة.
وأوضحت الدراسة أن جوهر هذه المنظومة يتمثل في فكرة الولاية التي تُقدّم كمشروع سياسي مغلق لا سقف زمني له، وترفض مبدأ الديمقراطية وتداول السلطة بين أبناء الشعب اليمني، وهو ما يجعل الحرب وسيلة دائمة للحفاظ على الامتياز السلالي واحتكار الحكم.
كما أشارت إلى أن الجماعة وظّفت سردية "الاضطهاد التاريخي لآل البيت" لخلق بيئة صراعية حادة تولّد الكراهية والأحقاد داخل المجتمع، وتُعيد إنتاج النزاع المسلح بوصفه أداة لحماية مكاسب السلطة والثروة. واعتبرت الدراسة أن هذه السردية تضعف إمكانية التوصل إلى تسوية سياسية شاملة يمكن أن ترسي سلامًا عادلًا ودائمًا في البلاد.
وفي سياق متصل، أكدت الدراسة أن الحوثيين عمدوا إلى أدلجة التعليم والتثقيف بهدف صناعة جيل من المقاتلين، من خلال تصوير الحرب كجهاد، ووصم الخصوم بالخيانة والنفاق، في إطار مشروع تعبئة وتجنيد مستمر لحروب طويلة الأمد تعمّق الانقسام المجتمعي وتعرقل أي مساعٍ لإنهاء النزاع.
وتطرقت الدراسة إلى ما سمّته "المنظومة المالية المؤدلجة" للجماعة، والمكوّنة من الخُمس والزكاة وطقوس الجباية، والتي تُستخدم كركائز لبناء اقتصاد حرب يطيل من عمر الصراع، ويتناقض مع متطلبات الدولة العادلة التي تحتكر عبر مؤسساتها الدستورية حق جباية الموارد وتوزيعها بعدالة وشفافية.
وفي ختام الدراسة، شدّدت الورقة على ضرورة اعتماد نهج مزدوج لتحقيق السلام في اليمن يقوم على مسارين متكاملين؛ يتمثل الأول في مسار سياسي وقانوني يضمن إزالة فكرة الولاية والاصطفاء الإلهي والتفضيل العرقي من أي تسوية سياسية قادمة، عبر اعتماد تدابير دستورية واضحة وحاسمة. أما المسار الثاني فهو فكري وديني، ويستدعي قيام العلماء والقادة الزيديين المعتدلين بمراجعة تاريخية شجاعة لهذه الأفكار ومزاعم الاصطفاء، والإقرار بأن الحكم حق أصيل لكل أبناء الشعب اليمني، يمارسونه عبر الاختيار الحر والديمقراطي.
وتخلص الدراسة إلى أن تفكيك الأيديولوجيا الحوثية شرط أساسي لفتح الطريق أمام سلام حقيقي ومستدام في اليمن، وأن أي جهود دولية أو محلية لا تراعي هذه الجذور الفكرية ستظل قاصرة عن تحقيق الاستقرار المنشود.